والأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد ولد في الكويت عام 1926 وهو الحاكم ال13 لدولة الكويت حيث نودي به أميرا للبلاد في 31 ديسمبر 1977 خلفا للشيخ صباح السالم الصباح الذي وافاه الاجل يومها ويعد الأمير الثالث في عمر الدولة الدستورية عقب توقيع الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح على وثيقة الدستور في 11 نوفمبر عام 1962.
وقاد الشيخ جابر الأحمد بعد توليه مقاليد الحكم الكويت نحو التقدم والازدهار في مختلف المجالات والصعد ونقلها من دولة صغيرة في مساحتها إلى كبيرة في وزنها السياسي والاقتصادي والخيري حتى وصلت مشروعاتها التنموية إلى شتى أقطار العالم.
وتميز الشيخ جابر الأحمد بحنكته وسياسته الحكيمة ورؤيته الثاقبة والتي مكنت الكويت من تجاوز المحن والأزمات التي مرت بها لاسيما خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
وشهدت الكويت خلال فترة توليه للحكم نهضة عمرانية بشكل لافت وتطورت بوتيرة متلاحقة في شتى القطاعات والمرافق العامة.
وكانت الكويت وشعبها الشغل الشاغل للأمير الراحل وهذا ما أكده في أعقاب المحاولة الدنيئة لاغتياله في 25 مايو عام 1985 على يد مجوعة ارهابية خارجية اذ وجه آنذاك كلمة لشعب الكويت قال فيها “إن عمر جابر الأحمد مهما طال الزمن هو عمر إنسان يطول أو يقصر ولكن الأبقى هو عمر الكويت والأهم هو بقاء الكويت والأعظم هو سلامة الكويت”.
ولعل أبرز المحطات التي تجلت فيها حنكة وحكمة الشيخ جابر الأحمد هي ما مرت به البلاد خلال محنة الاحتلال العراقي الغاشم عام 1990 حيث لعبت حكمته وخبرته في حشد الدعم الكبير من الدول الشقيقة والصديقة لطرد قوات الغزو بعد سبعة أشهر وتحرير البلاد بالكامل.
وبفضل السياسة الحكيمة التي تميز بها الأمير الراحل والتفاف أهل الكويت حول قيادته عادت دولة الكويت إلى مواصلة مسيرة النهضة والخير والعطاء وسرعة إعادة إعمار البلاد وإزالة آثار العدوان الغاشم واستطاع رحمه الله بفضل تخطيطه السليم تغطية نفقات التحرير التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات في فترة قياسية.
وأولى الشيخ جابر الأحمد أبناء الشهداء اهتماما كبيرا فحرص على رعايتهم والاهتمام بهم من خلال تأسيس مكتب الشهيد في 19 يونيو عام 1991 والذي تولى رعاية ذوي الشهداء في كل مجالات الحياة.
ولم تغب قضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين لدى النظام العراقي آنذاك عن اهتمامات الأمير الراحل فقد كان شديد الحرص على طرح هذه القضية في المحافل العربية والدولية باعتبارها قضية إنسانية.
وحظيت فئة الشباب باهتمام خاص من الأمير الراحل اذ قال في إحدى كلماته “الشباب هم التيار المتجدد في نهر الحياة للكويت ولابد دائما من دعم روافد هذا النهر حتى لا ينقطع نبع القوة ومدد التجديد لجوانب الحياة في أنحاء وطننا”.
وانطلاقا من تلك الرؤية فقد نال الشباب نصيبا وافرا من الرعاية والاهتمام وتجلى ذلك في انشاء العديد من المراكز لهم وصولا الى تأسيس الهيئة العامة للشباب والرياضة في عام 1992 والتي عهد إليها العناية بشؤون الشباب وتنشئتهم وتهيئة أسباب القوة والرعاية وتنمية القدرات الخلقية والعقلية والفنية لهم.
وحرص الأمير الراحل على معالجة المشاكل الاجتماعية في الكويت خلال فترتي ولاية العهد ورئاسة الحكومة وعندما أصبح أميرا للبلاد من خلال اقرار العديد من المراسيم الأميرية بشأن مساعدة الايتام ومجهولي الوالدين وإقرار منحة الزواج وبدل السكن ومساعدة الزوجة المتزوجة من غير الكويتي وإرسال الطلبة للدراسة على نفقته الخاصة وإرسال المرضى للعلاج في الخارج على نفقته.
ولعل من أبرز الانجازات التي كانت للأمير الراحل بصمات في انجازها انشاء مؤسسة التأمينات الاجتماعية لتأمين العيش الكريم لمن هم في سن الشيخوخة وانشاء صندوق احتياطي الأجيال القادمة وهو صندوق لتجميع المال من عوائد النفط لحفظ استقرار الأجيال القادمة ماديا اذ يقتطع 10 في المئة من إيرادات الدولة العامة وتوجيهها الى الصندوق لاستثمارها في مشاريع داخلية وخارجية وقد استفاد منه الشعب الكويتي في الخارج أثناء الاحتلال العراقي للبلاد.
ولم تغب المرأة عن اهتمامات الشيخ جابر الأحمد فقد ساند قضاياها وكان داعما لها فهو أول من سعى إلى نيل المرأة حقوقها السياسية حينما أصدر مرسوما أميريا عام 1999 يقضي بمنح المرأة حقوقها السياسية كاملة الى أن تم اقرار القانون في مجلس الامة عام 2005.
وعلى الصعيد السياسي كان الشيخ جابر الأحمد صاحب مبادرات عديدة على المستويات الخليجية والعربية والدولية ولعل فكرته بإنشاء مجلس للتعاون الخليجي يضم دول الخليج الست جاءت معبرة عن مدى اهتمامه بضرورة الترابط المشترك والمصير الواحد لمواجهة التحديات الخارجية والتكتلات السياسية التي تعتبر ركيزة أساسية من ركائز المجتمع الدولي.
ومن المبادرات أيضا اقتراحه رحمه الله في قمة الدوحة عام 1996 فكرة إنشاء مجلس استشاري يضم 30 عضوا من مواطني دول مجلس التعاون الست كأعضاء في المجلس رغبة منه في أن تكون قرارات مجلس التعاون منسجمة مع تطلعات وآمال المواطنين بحيث تكون مهمتها تقديم المشورة والنصح للمجلس الأعلى لمجلس التعاون.
وعلى الصعيد العربي والإسلامي فقد كانت القضايا العربية والاسلامية من أولى اهتمامات الشيخ جابر الأحمد حيث كان صاحب فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في عام 1961 وترأس أول مجلس لإدارة الصندوق.
ويعد الصندوق أول مؤسسة إنمائية في الشرق الأوسط تقوم بالمساهمة في تحقيق الجهود الإنمائية للدول العربية والدول النامية من خلال تقديم قروض ميسرة لمساعدة الدول الفقيرة في تمويل مشاريعها الإنمائية.
ولم تغب الدول الفقيرة والمحتاجة عن تفكير الشيخ جابر الأحمد فهو صاحب مبادرة إسقاط فوائد الديون المستحقة على الدول الفقيرة حين ترأس منظمة المؤتمر الإسلامي في الدورة ال 43 للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1988.
وحرص الشيخ جابر الأحمد منذ توليه الحكم على بناء العلاقات الكويتية مع مختلف دول العالم وتعزيز العلاقات الثنائية فقد كان سباقا للمشاركة في العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية وقام بالعديد من الجولات والزيارات الرسمية لمختلف أقطار العالم سعيا منه لتعزيز مكانة الكويت العالمية.
وفي عام 1995 أجرت مؤسسة المتحدون للاعلام والتسويق البريطانية وهي مؤسسة إعلامية دولية مسجلة في لندن ومقرها القاهرة أكبر استطلاع للرأي في المنطقة بمشاركة خمسة ملايين مواطن عربي وتم اختيار الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد حينها شخصية العام الخيرية العالمية لما قدمه من أعمال خيرية ودعم مالي للكثير من المنظمات العالمية ورعاية المحتاجين.
واستطاع (أمير القلوب) أن يحفر اسمه في ذاكرة الجميع ووجدانهم حتى سميت العديد من الأماكن باسمه طيب الله ثراه منها في الكويت (مستشفى جابر الأحمد – مستشفى جابر الأحمد للقوات المسلحة – استاد جابر الأحمد الدولي – مدينة جابر الأحمد – مركز جابر الأحمد الثقافي – حلبة جابر الأحمد الدولية – مكتبة جابر الأحمد المركزية في جامعة الكويت – جسر جابر الأحمد بين مدينة الكويت والصبية – ثانوية جابر الأحمد الصباح في منطقة الجابرية).
وتم تكريمه في دول اخرى ومنظمات فقد اطلقت مصر اسمه على أكثر من مكان وفي اليمن (قاعة جابر الأحمد) بكلية الطب في جامعة صنعاء وفي السعودية (شارع جابر الاحمد الصباح) في مدينة الرياض وفي البحرين (شارع جابر الأحمد) في جزيرة سترة بالإضافة الى (قاعة الشيخ جابر الأحمد الصباح) في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو).