التاريخ وهو يروي لنا الحكايات يستريح من حديث أهوال الحروب والانقلابات ليحدثنا في إحدى استراحاته عن وقائع كان أبطالها أفراداً، ففي مثل هذا اليوم 28 فبراير 1991 نفّذ “مجهولون” في الكويت محاولة اغتيال للنائب السابق حمد الجوعان نتج عنها إصابته بجروح سبّبت له شللاً بعد أن طرق الجاني باب منزله، وما إن فتح الباب حتى أطلق عليه الرصاص من مسدس كاتم للصوت.
هذه المحاولة الفاشلة وصفها التاريخ بأنها محاولة “اغتيال سياسي” نفّذتها “قوى الفساد” لرجل سياسة معارض للفساد من الطراز الرفيع، لكن ما هي الأحداث والوقائع التاريخية التي سبقت محاولة الاغتيال هذه والتي كان الجوعان وآخرين أبطالها..؟!
بطريقة “الفلاش باك” السينمائية يروي لنا التاريخ أنه في 30 ابريل 1985 قدم الجوعان والنواب السابقون أحمد الربعي ومبارك الدويلة استجواباً لوزير العدل آنذاك الشيخ سليمان الدعيج الصباح بعد أن أثيرت شبهات حول صرف سندات من صندوق صغار المستثمرين لنجل الوزير القاصر وانتهى الاستجواب باستقالة الوزير حين وقّع أغلبية النوّاب على طلب طرح الثقة به.
بعد هذا الاستجواب بعام تقريباً أُنتُدِبَ حمد الجوعان من قبل المجلس للتحقيق في قضية سمّيت آنذاك “الفضائح المالية التي تورّط بها البنك المركزي” وأزمة “المناخ” ، فاشتعلت النار السياسية بين الحكومة والمجلس ولم تتحمّل الحكومة أكثر من ذلك وحُلّ مجلس الأمّة وعطّلت الحياة الديموقراطية وعُلّق الدستور واستُبدل مجلس الأمة بما يُسمّى المجلس الوطني في عام 1990 .
منذ حل مجلس الأمة حلاً غير دستوري لم تصمت المعارضة وانطلقت “دواوين الاثنين” وكان أبرزها ما حدث في ندوة النائب السابق أحمد الشريعان وتجمّع حينها ما يزيد على 7 آلاف مواطن، وتم التعامل معها أمنياً بالقنابل الصوتية وأصدرت وزارة الداخلية بياناً صحفياً أكدت فيه أن “تجمّع الجهراء كان مخالفاً للقانون”، كما أكدت الحكومة وقتها في تصريحات لوكالة رويترز أن “المجلس القديم لن يعود”.
ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد بل تم استدعاء أحمد الشريعان إلى مخفر الفيحاء وحضر معه وقتها أحمد السعدون وحمد الجوعان ومشاري العصيمي وأفرِج عن الشريعان وعاد إلى ديوانيته بصحبة جموع من المواطنين، واستمرّ الحراك الشعبي المعارض ودواوين الإثنين.
ما مضى كان سرداً تاريخياً مختصراً لأحداث معينة بأسلوب “الفلاش باك” السينمائي، وعادة ما يستخدم المخرج السينمائي الفلاش باك لغرض درامي رئيسي هو “ربط أحداث الماضي بالحاضر” أو لاستخدام أدبي يحقّق “الرمزية” و “الإسقاط” على أحداث واقعية حالية بسرد أحداث مضى زمن على وقوعها.
والرمزية هنا أكثر وضوحاً في صراع “قوى الفساد” و “قوى الإصلاح”، مثال على ذلك حل مجلس 1985 وحل مجلس فبراير 2012 مجلس “الأغلبية” الذي بدأ في اجراءات ملاحقة قضية “الإيداعات والتحويلات” ولم يستطع إكمال مهمته بسبب تعطيل دوره وإلغاء وجوده.
والرمزية حاضرة أيضاً في استبدال مجلس الأمة بالمجلس الوطني، وفي استبدال مجلس “الأغلبية” بمجلس أتى بمرسوم ضرورة يعتبره بعض القانونيين والخبراء ليس دستورياً، وتراه نسبة كبيرة من الشعب بأنه مجلس لا يمثّلها. والرمزية حاضرة كذلك في استمرار معارضة الشعب في “دواوين الإثنين”، وفي الدعوات الأخيرة لتجمّع مئة ألف متظاهر ضد الأوضاع السياسية السلبية حالياً.
والرمزية أيضاً فيما حدث مع الشريعان ويحدث اليوم مع مسلم البرّاك وعدد من المعتقلين السياسيين.
والرمزية في محاولة “الاغتيال الجسدي” لـ حمد الجوعان أحد الأصوات المعارضة لقوى الفساد، وفي محاولة “الاغتيال النفسي والانساني” لكل معارض من خلال “سحب الجناسي”..!
وتبقى الرمزية الأكثر أهمية في أن التاريخ لم يُسجّل في صفحاته أن شعباً خرج يوماً ضد فساد أو لتحقيق إرادته الشرعية وعاد خالي الوفاض، وذلك يتضح جليّاً في تصريح الحكومة عقب حل مجلس 1985 حلاً غير دستوري حين أكّدت بأن المجلس القديم لن يعود واستبدلته بمجلسٍ بلا صلاحيات، لكن الإرادة الشعبية انتصرت وعاد المجلس القديم بصلاحياته عام 1992، والإرادة الشعبية انتصرت أيضاً عام 2011 حين أطاحت لأول مرة برئيس للوزراء.
وتبقى الآمال معقودة على الشعب في تغيير الواقع الحالي البائس نحو الأفضل وإعلاء صوت الأمة على كل الأصوات، وذلك لن يتحقّق إلا بمشهد “فلاش باك” يربط الماضي “دواوين الإثنين” بالحاضر “المئة ألف متظاهر”.. وإذا كان الـ7 آلاف مواطناً الذين تجمّعوا في ديوانية الشريعان قد أعلنوا بداية الإنطلاقة لمناهضة تعليق الدستور، فإن المئة ألف مواطن الذين تدعوهم القوى السياسية والوطنية اليوم للتجمّع قريبا لإنقاذ الكويت، سوف يسجّل لهم التاريخ فضل قيادة التغيير في البلاد نحو الخلاص من كل “فاسد” و”فاشل”.