النجم الراحل أحمد زكي حاول الهروب دائما من التعاسة إلى البهجة، ومن البكاء إلى السعادة، ومن القسوة إلى الاحتواء، خسر والده بوفاته في عامه الأول، وتزوجت أمه لتتركه وحيدا يصارع الدنيا التي لطالما أحبها، ولكنها أدارت له ظهرها وخاصمته كثيرا.
إعلان
بملامح كان يراها قبيحة، ولكنها كانت محببة للملايين، بعيون كانت تتحدث إلى الجمهور بدلا من الكلام بنظرات تحكي ألف كلمة، أبدع إمبراطور الفن الفنان أحمد زكي المولود في 18 مارس من عام 1949 قبل أن يغادر عالمنا يوم 27 مارس عام 2005م، بعد أكثر من 55 عاما في خدمة الفن.
رحل وهو لا يمتلك إلا 130 جنيها، بحسب ما أكد أصدقاؤه بعدما تصدق بمعظم أجره عن فيلم «العندليب» لعلاج فنان شاب أصيب بنفس المرض، كما دفع نفقات «العمرة» لثلاثة موظفين في مستشفى «دار الفؤاد»، وأوصى ابنه «هيثم» بأن يعتمد على نفسه.
مأساة وعقد فنية
تخرج في الترتيب الأول على دفعته من معهد الفنون، عمل في مسرحية «هالوا شلبي»، ثم «مدرسة المشاغبين» التي كانت علامة بارزة في تاريخه، و»أولادنا في لندن»، «العيال كبرت»، وفى التليفزيون لمع في مسلسل «الأيام» و»هو وهي»، و»أنا لا أكذب ولكني أتجمل»، و»نهر الملح»، و»الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين».
وتعرض الفتى الأسمر لهجوم شرس من خلال 3 مواقف:
1- عندما قام بدور طه حسين في مسلسل الأيام، أجرى النقاد مقارنة بينه وبين محمود ياسين، الذي قدم نفس الدور في السينما، وكانت مقارنة بين من في رصيده 100 فيلم، ومن قام بالتمثيل في 5 أفلام ومسلسل.
2- كان إصرار سعاد حسني على قيامه بدور البطولة في فيلم شفيقة ومتولي، محل انتقاد قوي.
3- انهالت الجوائز على أحمد زكي عن فيلم الباطنية، رغم أن دوره كان ثانويا، وكان من بطولة فريد شوقي ومحمود ياسين، وهو ما أثار عاصفة من الجدل.
وأثار استبعاده من فيلم الكرنك عقدة شخصية له بعدما قال منتج وموزع الفيلم رمسيس نجيب: «ما ينفعش الولد الأسود ده يحب سعاد حسني»، العقدة الثانية أنه عاش حياة اليتامى، حيث فقد والده بعد مجيئه للدنيا بعام واحد وأم لم يعش في كنفها، بعدما اختارت الزواج بعد رحيل أبيه، فكانت تربيته على يد جده، لم يدع أزمة «الكرنك» تحطمه، وساهم تفوقه بعد سنوات في منحه دور البطولة أمام سندريللا مصر في مسلسل أوراقه عليها بصمات صلاح جاهين بعنوان «هو وهي»، محققًا النجاح بالوصول للجمهور إلى داخل بيوتهم دون الاكتفاء بحلم السينما.
«ذكرى مؤلمة.. لكن لو كنت استسلمت ماكنتش وصلت للنجاح ده» يقول الفتى الأسمر أحمد زكي موجها الشكر لـرمسيس نجيب، لأنه لولاه ما صب تركيزه على تحقيق أمنيته، التي عاش لها وهي «الممثل».
وفي يوليو 1969، قررت القاهرة الاحتفال بذكرى مرور 1000 عام على تأسيسها، وتكشف صفحات مجلة «سينما الفنون» المنشورة بالموقع الإلكتروني لذاكرة مصر المعاصرة، التابع لمكتبة الإسكندرية، أنه تم الاستعداد لإقامة احتفالية على شكل أوبريت كتبه «جاهين».
وكان «زكي» ضمن الكومبارس لكن نجوم الصف الأول اعتذروا لانشغالهم بأعمال أخرى أو بسبب السفر أو المرض، وهو ما دفع المخرج الألماني للأوبريت، إيرفن لابستر، يرشح «زكي» لأداء البطولة، لكن الرفض كان مصيره بسبب مدير المسرح، سعد أبو بكر، وكان مبرره وقتها: «كيف يؤدي طالب بالفنون المسرحية بطولة أوبريت كبير؟».
كتم «زكي» مرارة الرفض وكان عزاؤه اهتمام المخرج الألماني به، الذي طالبه بالسفر إلى أوروبا لإكمال دراسته بدلا من الدفن وسط أناس لا تقدر الموهبة، لكن القدر جعل «جاهين»، الأب الروحي للفتى الأسمر يتدخل، ليمنحه اهتمامه في رحلته الفنية، وقد كان أسمى نجاحاتها في «هو وهي».
الحب الضائع
تزوج من الممثلة الراحلة هالة فؤاد، ولكن من يعرفه جيدا داخل الوسط الفني يقول إنه أحبها كثيرا، ولكنه صرح لبعض أصدقائه قبل وفاته بأنه ظلم زوجته وأم ابنه الوحيد «هيثم»، لذا قرر ألا يتزوج بعدها لأنه أحبها بشدة.
أحب نجلاء فتحي، أثناء تصوير فيلم «سعد اليتيم» لكنها لم تكتمل، ثم نشأت علاقة حب مع الفنانة شيرين سيف النصر، عندما كانا يصوران معًا فيلم «سواق الهانم» عام 1994، إلا أن قصة الحب لم تكتمل لأسباب كثيرة فضلا كتمانها، العلاقة الأقوى في حياة أحمد زكى، كانت علاقته مع الفنانة السورية رغدة، التي كان يريد الزواج منها في آخر أيامه لكنها رفضت، مشيرة إلى أن علاقتهما «حالة حب مختلفة».
رفض الاستقرار في منزل يعيش فيه، البعض يربط الأمر بحزنه لانتهاء علاقته بهالة فؤاد، والدة «هيثم» نجله الوحيد، بينما يشير البعض إلى أن سبب الأمر يعود إلى زلزال 1992، الذي جعله يغادر بيته للبقاء في أحد الفنادق المطلة على النيل، واختار الغرفتين «2006 – 2007» بالدور الـ20، في نفس المكان الذي فضله الموسيقار الراحل، بليغ حمدي، للجلوس بين أرجائه لتلحين إبداعاته.
وكشف في أحد حواراته مع الإعلامي مفيد فوزي أنه لم يبك عندما كان طفلا وحتى وصل لعمر الـ15 عاما من عمره، وخلال اللقاء أوضح أنه انفصل عن زوجته هالة فؤاد لعدم الاتفاق في وجهات النظر بينهما، وقال: «في حاجات بين الرجل وزوجته مينفعش حد يعرفها، وأنا تعبان من الوحدة».
أسرار طبية
كشف طبيب الفنّان الراحل أحمد زكي اللحظات الأخيرة في حياة النجم المصري الذي أدّى «مشهدا تمثيليا مع ملك الموت»!
وقال الطبيب المصري ياسر عبدالقادر على شاشة قناة CBC المصرية، إنه كان جالسا مع زكي قبل وفاته، قبل أن يجسّد مشهد الوفاة مع ملك الموت.
وقال الطبيب إن أحمد زكي تكلم في حوار أمامه مع «ملك الموت» وطلب منه أن يقوم بتجهيز «صوان العزاء» ومن ثم يعود إليه، ورأى الطبيب أن زكي كان مريضا استثنائيا كما أنه كان ممثلا استثنائيا، موضحا أنه أصيب بالعمى قبل وفاته، وطلب التكتم على الخبر.
وأكد أن الفنان الملقب بـ»النمر الأسود» قال له إنه لم يعد يشاهد جيدا، وبالكشف عليه تبين وجود ضغط على عصب البصر مما أفقده الرؤية، مؤكدا أنه أول من اكتشف إصابة الفنان الراحل بالعمى، وهو ما أدى لتدهور حالة زكي النفسية».
وأوضح في تصريحات صحفية، أن مرض السرطان اشتد على زكي في الأسابيع الأخيرة قبل وفاته بصورة مفاجئة، واستسلم جسده النحيل له بعدما انتشر المرض في الرئة والكبد، وعانى نتيجة ذلك من «استسقاء بروتيني»، كما أصيب بالتهاب رئوي وضيق حاد في الشعب الهوائية».
أكد هذه المعلومات الطبيب المعالج أحمد البنا -في تصريحات صحافية، الذي قال إن زكي كان يشعر بخوف شديد تجاه المرض، حتى ولو نزلات برد بسيطة.
وأضاف أن إخبار الفنان الراحل بإصابته بمرض السرطان كانت من أصعب المواقف لذا اخترعت مصطلح «خلايا نشطة» لأتجنب إبلاغه بإصابته بالسرطان بشكل مباشر، حتى لا يشعر بالخوف، وقمت بتبسيط موضوع المرض والعلاج وأساليبه، فكان رد فعله عنيفا، وقال: «دي جاتلي منين.. إيه المصيبة اللي أنا فيها دي».
حياة «زكي» في الفنادق انتهت على سرير داخل مستشفى دار الفؤاد، 27 مارس 2005، بسبب السرطان، الذي طال رئته لشراهته في التدخين، بعدما بدأ في تصوير مشاهد ابن بلده العندليب الأسمر، عبد الحليم حافظ، وقتها كان الاندهاش يصيب الجميع لحرصه على إكمال مشاهد الفيلم دون النظر لآلامه، التي تتبدد بتقمص أي شخصية أمام الكاميرا.
غيرة فنية
على الرغم من المنافسة الشرسة التي جمعت النجمين الكبيرين الراحلين أحمد زكى ومحمود عبد العزيز على مدار سنوات تألقهما في عالم السينما، إلا أن هناك علاقة صداقة قوية للغاية جمعتهما، إذ كانا يلتقيان بشكل مستمر، عندما يبدأ أحدهما تصوير أيا من أعماله الفنية.
وأثناء قيام النجم الكبير محمود عبد العزيز بتصوير فيلم «الشقة من حق الزوجة»، للمخرج عمر عبد العزيز، كان في هذه الأثناء يصور النجم الكبير الراحل أحمد زكى فيلمه «المدمن»، من إخراج يوسف فرنسيس، وكان موقعا التصوير قريبين من بعضهما، فزار أحمد زكى الساحر محمود عبد العزيز في موقع التصوير، وقال زكى، لعمر عبد العزيز مخرج فيلم «الشقة من حق الزوجة» نصا: «أنا زعلان أوى وغيران من محمود، ليه مجبتنيش في الفيلم ده، بصراحة قصته عجبانى أوى والقضية اللي بيقدمها هامة ومختلفة».
توأم العندليب
أحمد زكي عاش نفس المعاناة التي عاشها الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، فهما شريكان في رحلة الألم والفن، كل منهما تربى وعاش يتيما متألما وأصيبا «بالبلهارسيا» من الترعة نفسها الموجودة في بلديهما «الزقازيق»، وكلا منهما كان له طموح كبير في الفن وحقق ما يصبو إليه في ظل معاناة وصدمات عنيفة.
التشابه كان أيضاً في رحلة النهاية مع المرض، حيث أصيب «عبد الحليم» بأزمة صحية رحل على إثرها، ومن كأس المرض نفسها شرب «أحمد زكي»، والأغرب أن رحيل الاثنين كان في مارس والأغرب أكثر وأكثر، أن رصيد «حليم» في السينما بلغ نفس رصيد «زكي» نحو 56 فيلما، باستثناء فيلمه الأخير حليم الذي كان يحلم بتصويره الذي صور 85 % من أحداثه أثناء فترة مرضه وتوفي قبل أن يكمله، لكن ابنه «هيثم» قام بإكماله من بعده.
مليون رسالة حب
تلقى على مدار ثلاثة أشهر «أثناء فترة مرضه» حوالي مليون رسالة في مقر إقامته بأحد فنادق القاهرة وقد شملت الرسائل خليطاً من الدعوات بالشفاء ووصفات علاج بالطب التقليدي والشعبي وقصائد شعر واطمئنان على صحته وغيرها.
واستلم 3250 طرداً من جميع أنحاء العالم، يحمل بعضها «حبة البركة» من اليمن، ومياه زمزم من السعودية، وأعشابا طبية من الصين والسودان، ونباتات برية للعلاج من موريتانيا، وغذاء ملكات النحل، بالإضافة إلى آلاف المصاحف والسبح.
صائد الجوائز
أطلق عليه «صائد الجوائز» لدرجة أنه من كثرتها ينساها لدى أصدقائه أو في سيارات التاكسي، بينما يحتفظ بالجزء اليسير منها في منزله.
جائزة عن فيلم «طائر علي الطريق» في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
جائزة عن فيلم «عيون لا تنام» من جمعية الفيلم.
جائزة عن فيلم «امرأة واحدة لا تكفي» من مهرجان الإسكندرية عام 1989.
جائزة عن فيلم «كابوريا» من مهرجان القاهرة السينمائي عام 1990.
وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996 اختار السينمائيون ستة أفلام قام ببطولتها أو شارك فيها الفنان أحمد زكي، وذلك ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي زوجة رجل مهم، والبريء، أحلام هند وكاميليا، الحب فوق هضبة الهرم، إسكندرية ليه وأبناء الصمت.
منحه الرئيس الأسبق حسني مبارك وسام الدولة من الطبقة الأولى تكريما له عن أدائه في هذا الفيلم.