في الوقت الذي زحف فيه دبلوماسيون أمريكيون وإيرانيون ببطء نحو تحقيق تقدم بشأن برنامج طهران النووي الأسبوع الماضي، وقعت المملكة العربية السعودية في هدوء اتفاق تعاون نووي مع كوريا الجنوبية.
ويعزز هذا الاتفاق – جنبا إلى جنب مع التعليقات الأخيرة من المسؤولين السعوديين والعائلة المالكة – المخاوف داخل كابيتول هيل وبين حلفاء الولايات المتحدة من أن التوصل إلى صفقة مع إيران – بدلا من وقف انتشار التكنولوجيا النووية – قد يؤجج الوضع ويزيد السباق احتداما.
وحذر الأمير «تركي الفيصل» – رئيس المخابرات السعودي السابق وعضو العائلة المالكة – علنا في الأشهر الأخيرة من أن الرياض سوف تسعى إلى أن تقف على قدم المساواة مع القدرات النووية التي سيُسمح لإيران بالحفاظ عليها كجزء من أي اتفاق نهائي يتم التوصل إليه مع القوى العالمية. وقد يشمل ذلك القدرة على تخصيب اليورانيوم والبلوتنيوم المخصص لصناعة السلاح.
انفجار سباق التسلح النووي
وأعرب العديد من المسؤولين الأمريكيين والعرب عن مخاوفهم بشأن احتمالية حدوث انفجار سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط يدفعه التنافس الإقليمي للمملكة العربية السعودية مع إيران، وقد ظهر هذا التنافس جليا في سوريا والعراق ولبنان واليمن خلال الأشهر الأخيرة.
«انتشار التكنولوجيا النووية كابوس يحتاج البيت الابيض للإجهاز عليه وتبديده وليس فتح نقاشات بشأنه»، بحسب «سايمون هندرسون» من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو معهد أبحاث بواشنطن. وتابع «هذا أكثر من مجرد تهديد وهمي».
وتشمل مذكرة تفاهم بين المملكة العربية السعودية وكوريا الجنوبية خطة لدراسة جدوى بناء مفاعلين نوويين بقيمة 2 مليار دولار في المملكة على مدى السنوات الـ20 المقبلة، وفقا لوسائل الإعلام الرسمية السعودية.
وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن هناك قلق خاص بشأن عقود تحالف عسكري منذ فترة طويلة بين المملكة العربية السعودية وباكستان؛ وهي دولة مُسلحة نوويا مع تاريخ من التقنيات العسكرية المتنامية والمتجددة.
وحذر عدد من كبار المسؤولين العرب البيت الأبيض في الأشهر الأخيرة من أن الحكومة السعودية قد تسعى للحصول على مساعدة باكستان في تطوير تقنيات نووية – أو حتى شراء قنبلة ذرية – إذا رأت أن الاتفاق مع إيران لا يصبّ في صالحها. وأخبر مسؤولون سعوديون الإدارات الأمريكية المتعاقبة أنهم يتوقعون دعما من باكستان في المجال النووي – إذا طلبوا منهم – بسبب الدعم المالي الهائل من المملكة لهذا البلد الواقع في جنوب القارة الآسيوية.
«يقول السعوديون سرا إنه يمكنهم الحصول على المساعدة من باكستان»، بحسب ما قاله «روبرت اينهورن» – مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية في إدارات كلينتون وأوباما، وشارك أيضا في المفاوضات مع إيران. وأضاف «أنا لم أر أدلة قط على الرغم من أن هناك تفاهم رسمي».
ونقلت برقية دبلوماسية أمريكية بتاريخ ديسمبر/كانون الأول 2007 – نشرها موقع ويكيليكس – عن مسؤولين من باكستان قولهم «من المنطقي بالنسبة للسعوديين أن يتدخلوا بصفتهم ”الحامي“ الحقيقي للدول السنية ردا على التهديد الذي تشكله إيران ذات الأغلبية الشيعية. المملكة العربية السعودية – على عكس مصر القوة العربية الأخرى – لديها موارد مالية لتطوير ترسانة أسلحة نووية».
«باكستان والمملكة العربية السعودية أصدقاء الملاذ الأخير» على حد وصف «حسين حقاني» – السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة والمدرس الآن بمعهد واشنطن هدسون – والذي أردف «وبينما لا يوجد شيء في المجال العام لتوثيق التعاون بين المملكة العربية السعودية وباكستان، فإنه لن يكون هناك شيءٌ ما وراء اتساع نطاق هذه العلاقة».
وانتقد أفراد الأسرة المالكة في السعودية والحكومة في الرياض مفاوضات إدارة أوباما مع إيران؛ والتي تهدف إلى إبرام اتفاق لتقييد البرنامج النووي لطهران قبل الموعد النهائي آواخر مارس/آذار.
ويقول مسؤولون أمريكيون إنه سيتم السماح لطهران بالحفاظ على تكنولوجيا إنتاج الوقود النووي كجزء من أي اتفاق، على أن تكون تلك القدرة محدودة وتحت رقابة دولية صارمة. ويمكن استخدام تخصيب اليورانيوم من قبل أي دولة سواءً لإيجاد وقود لمفاعل نووي، وكذا لإنتاج المواد النووية الانشطارية لقنبلة ذرية.
وقال مسؤولون في الادارة الأمريكية إنهم في مشاورات وثيقة مع المملكة العربية السعودية والدول العربية الرائدة الأخرى حول الدبلوماسية الإيرانية. «نظرًا لكون إيران تمتلك بالفعل القدرة التقنية، فقد كان هدفنا تعطيل ما تقوم به إيران لعام واحد ثم قطع أربع مسارات عن طريق وضع برنامج مُقيد للغاية»، بحسب مسؤول أمريكي كبير فضل عدم كشف هويته.
وزار وزير الخارجية «جون كيري» الرياض الأسبوع الماضي والتقى وزراء خارجية الدول العربية الست الذين يشكلون مجلس التعاون الخليجي.
ويقول البيت الأبيض إن التوصل إلى اتفاق مع إيران يضع أول قيود كبيرة على برنامج إيران النووي بعد أن كانت طهران على وشك إنتاج أسلحة من اليورانيوم. وأضافوا عدد من المسؤولين بالبيت الأبيض أن الولايات المتحدة تسعى لضمان بقاء طهران على الأقل سنة واحدة بعيدة عن وجود ما يلزم من المواد الانشطارية لتصنيع سلاح نووي واحد.
خطوات سعودية متواصلة
ويشير اتفاق السعودية الذي وقعته مع كوريا الجنوبية الأسبوع الماضي خلال زيارة قامت بها الرئيسة «بارك جوين هيي» إلى أن الرياض تدفع باتجاه تطوير الطاقة النووية المدنية بشكل ملحوظ وأكثر إصرارا من ذي قبل.
وفي عام 2010، أنشأت المملكة العربية السعودية «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والطاقة المتجددة» – والمعروفة باسم «كي.إيه.كير» – لتطوير مصادر الطاقة البديلة ومحاولات المملكة لتنويع مزيج الطاقة لديها. وتعهد كل من الملك الراحل «عبد الله» والعاهل السعودي الجديد الملك «سلمان» بنقل بلادهم بعيدا عن الاعتماد على النفط.
وتقول «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة» على موقعها على شبكة الإنترنت إنها تهدف إلى توليد 17.6 جيجاوات من الكهرباء باستخدام الطاقة النووية بحلول عام 2032، من خلال ما يصل إلى 16 مفاعل جديد.
«وسوف تقوم المملكة العربية السعودية فقط بنشر أكثر أنواع التكنولوجيا المتقدمة والمختبرة بدقة بهدف إعطاء أكبر قدر للأمان والأمن والضمانات لأعلى المعايير الدولية عند تركيب المفاعلات النووية المُخطط لها»، بحسب الموقع الإليكتروني للمدينة.
وفي السنوات الأخيرة، وقعت المملكة العربية السعودية أيضًا اتفاقيات تعاون نووي مع كل من الصين وفرنسا والأرجنتين.
وشكّلت الرياض وبوينس آيرس -عاصمة الأرجنتين – شركة مشتركة تحت اسم «إنفانيا» للتركيز في المقام الأول على تطوير الطاقة النووية. وعقدت السعودية والولايات المتحدة محادثات بشأن توقيع اتفاقية خاصة من شأنها السماح للشركات الأمريكية بيع مفاعلات نووية ووقود للمملكة. ولكن هذه المفاوضات توقفت بسبب الشروط الصعبة التي حاولت إدارة «أوباما» فرضها؛ بحسب ما أورده مسؤولون شاركوا في تلك الدبلوماسية.
وتجدر الإشارة إلى أن البيت الأبيض وقع اتفاق تعاون نووي مع دولة الإمارات في عام 2009 يقضي بحظر البلاد صراحة من تطوير التكنولوجيات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة وقود المفاعل المستهلك. وكان يُنظر إلى تلك الصفقة باعتبارها خطوة كبيرة في دفع جهود الولايات المتحدة لوقف انتشار التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج.
ورغم ذلك، فقد امتنعت السعودية حتى الآن عن القبول بشروط مماثلة. وعلّق «جاري سامور» – الذي كان في وقت من الأوقات أكبر مسؤول في البيت الأبيض معنيّ بالقضايا النووية خلال ولاية الرئيس «أوباما» الأولى – «لقد ضغطنا للموافقة على عدم إتباع دورة الوقود المدنية، ولكن قوبلنا بالرفض من السعوديين».
وأكد مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن السعودية ستواجه عقبات تقنية وقانونية كبيرة في حالة إقدامها على خطوة شراء أو تطوير التقنيات اللازمة لإنتاج وقود أسلحة قابل للاستخدام.
ولا يُعتقد أن السعودية تمتلك أعدادًا كبيرةً من العلماء المتخصصين في المجال النووي. كما يحظر على حلفاء الولايات المتحدة – مثل كوريا الجنوبية وفرنسا – بيع تخصيب وإعادة معالجة المعدات إلى الرياض بسبب اتفاقات التعاون الخاص مع واشنطن.
ومن المرجح أيضا أن تواجه السعودية عقوبات غربية شديدة إذا حاولت جمع المعدات والأدوات التي يُنظر إليها على أنها قابلة للاستخدام في تطوير أسلحة نووية.
«وتفتقر المملكة العربية السعودية إلى التكنولوجيا والمال البيروقراطي الكافي» لتطوير دورة الوقود النووي «في أي وقت في المستقبل المنظور»، وفقا لما كتبه «كولن كال» – مستشار الأمن الوطني لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن – في ورقة نشرها عام 2013، قبل أن ينضم إلى البيت الأبيض.
الحليف الباكستاني
وتظهر باكستان في هذا السياق وكأنها الحليف الإستراتيجي الأهم للمملكة العربية السعودية وفقا لمسؤولين أمريكيين وعرب.
وقد وثّقت الرياض وإسلام أباد علاقتيهما العسكرية والاقتصادية على مدى العقود الأربعة الماضية؛ حيث نشرت باكستان في السابق جنودا داخل المملكة العربية السعودية لتعزيز الدفاعات في المملكة. وأنفق السعوديون مليارات الدولارات من المساعدات المالية على باكستان؛ سواءً من خلال شحنات الطاقة المدعومة أو الدعم المباشر للميزانية.
وتمتلك باكستان تاريخا طويلا من بيع التكنولوجيا النووية. وتم إغلاق شبكة السوق السوداء التي أنشأها العالم الباكستاني «عبد القدير خان» في مطلع القرن الحالي بعد أن تبين بيع معدات طرد مركزي إلى ليبيا وإيران وكوريا الشمالية.
ورفض مسؤولون سعوديون التعليق من خلال سفارتهم في واشنطن. ونفت الحكومة الباكستانية أي تعاون نووي مع الرياض. وقال ممثل عن الحكومة الباكستانية «هذه كلها تكنهات واختلاقات وسائل الإعلام. لم تكن هناك مناقشات بخصوص ذلك، ولم تتوقع الحكومة السعودية مثل هذا منا».
ولم يستطع مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون طرد ما بداخلهم من شكوك بشأن أن باكستان سوف تبيع مباشرة أو تنقل أسلحة نووية إلى المملكة العربية السعودية ردا على التهديد المُتصوَر من إيران. لكنهم قالوا إنهم لا يستطيعون منع إسلام آباد نشر بعض أسلحتها في المملكة أو إنشاء مظلة دفاع نووي