تغمر مشاعر مختلطة لاعبي المنتخب الكرواتي قبل خوضهم أهم مواجهة في تاريخ بلادهم عندما يلتقون نظراءهم الفرنسيين اليوم الأحد في المباراة النهائية للدورة ال21 من بطولة كأس العالم بكرة القدم والتي استضافتها روسيا على مدى شهر كامل.
فمشاعر الفخر والسعادة والتفاؤل التي تطغى على لاعبي كرواتيا بتحقيق المزيد من الإنجازات التاريخية في كأس العالم تمتزج كذلك برغبة لديهم في الثأر من فرنسا التي أقصت بلادهم قبل نحو 20 عاما من الدور قبل النهائي للمونديال.
ويدخل لاعبو كرواتيا مباراة اليوم التي ستقام على أرضية ملعب (لوجنيكي) في موسكو ويقودها الحكم الارجنتيني نيستور بيتانا وجزء من تفكيرهم ينصب على كيفية تجنب تكرار نفس المصير الذي واجهه الجيل الذهبي السابق لمنتخب بلادهم بقيادة المهاجم الكبير دافور سوكر عندما تعرض في الثامن من يوليو 1998 للهزيمة من منتخب “الديوك” بهدفين مقابل هدف واحد في الدور نصف النهائي للبطولة التي استضافتها فرنسا وتوجت بلقبها بعد الفوز على البرازيل بثلاثية نظيفة في المباراة النهائية.
ويطمح لاعبو كرواتيا الى الانتصار في مواجهة اليوم لكتابة تاريخ كرة القدم من جديد بحفر اسم بلدهم بأحرف من ذهب في قائمة الشرف للدول الحائزة على لقب كأس العالم والتي تضم حتى الآن ثمانية منتخبات فقط من بينها فرنسا التي نالت البطولة مرة واحدة.
ولم يكن طريق كرواتيا التي تأتي في المرتبة ال20 عالميا وفقا للتصنيف الذي أعلنه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في السابع من يونيو الماضي الى النهائي مفروشا بالورود حيث واجهت صعوبات كثيرة خلال مبارياتها الست السابقة بالبطولة الا ان لاعبيها كانوا دائما يرتقون لمستوى التحديات ليحققوا الانتصار في النهاية.
وبدأت كرواتيا مشوارها بالفوز على نيجيريا بهدفين نظيفين في أولى مبارياتها بالمجموعة الرابعة قبل ان تحقق انتصارا عريضا وتاريخيا على الارجنتين بثلاثة أهداف دون رد ثم تفوز على أيسلندا بهدفين مقابل هدف في آخر مبارياتها بالدور الأول لتتصدر بذلك المجموعة وتصبح احد ثلاثة منتخبات فقط تمكنت من جمع العلامة الكاملة خلال منافسات الدور الأول لمونديال روسيا.
وخاضت بعدها كرواتيا مباراة تكتيكية من الطراز الأول امام الدنمارك في دور ال16 وفازت عليها بصعوبة بالغة بضربات الجزاء الترجيحية بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل بهدف لمثله.
كما واجه المنتخب الكرواتي بعدها مهمة أكثر صعوبة في دور الثمانية عندما قابل نظيره الروسي صاحب الأرض والجمهور والذي يتمتع لاعبوه بلياقة بدنية ومقومات جسمانية كبيرة الا انه استطاع تجاوز هذا الدور بشق الأنفس بعد مباراة ماراثونية اخرى جرى خلالها الاحتكام الى ضربات الجزاء الترجيحية اثر انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل بهدفين لكل فريق.
وتأهل المنتخب الكرواتي بذلك الى الدور قبل النهائي لكأس العالم للمرة الثانية في تاريخه مكررا بذلك الإنجاز الذي تحقق خلال البطولة التي استضافتها فرنسا عام 1998 وحصلت خلالها كرواتيا على المركز الثالث.
ولم تقل المتاعب التي واجهتها كرواتيا في مباراة نصف النهائي أمام إنجلترا عن تلك التي صادفتها في المباريات السابقة حيث تلقت هدفا مبكرا في شباكها وظلت متأخرة في اللقاء الى أن تمكن لاعب الوسط إيفان بيريسيتش من احراز هدف التعادل مع منتصف الشوط الثاني تقريبا.
واحتكم الفريقان بعدها الى شوطين إضافيين تمكن خلالهما المهاجم ماريو ماندزوكيتش من ترجيح كفة فريقه لتتأهل كرواتيا الى المباراة النهائية لكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها.
ويرى مراقبون ان المجهود البدني الكبير الذي بذله لاعبو المنتخب الكرواتي خلال مشوارهم الصعب بالمونديال وخاصة خلال المباريات الثلاث الماضية في الأدوار الاقصائية التي امتدت لأشواط إضافية قد يكون له تأثير سلبي جدا خاصة في ظل تمتع لاعبي فرنسا بمعدلات بدنية أفضل على خلفية حصولهم على يوم راحة إضافي وعدم خوضهم أي شوط إضافي بالمونديال حتى الآن.
ويأمل مشجعو المنتخب الكرواتي الذي يقوده المدير الفني زلاتكو داليتش ان يتغلب لاعبوهم على الإرهاق البدني الذي يعانون منه من خلال جماعية الأداء والتوازن بين الدفاع والهجوم والروح القتالية العالية.
ويضع المشجعون كذلك آمالا كبيرة على خط وسط الفريق الذي يضم لاعبين متألقين في أوج عطائهم وعلى رأسهم كل من لاعبي (ريال مدريد) لوكا مودريتش وماتيو كوفاسيتش ولاعبي (برشلونة) إيفان راكيتيتش و(إنترميلان) مارسيلو بروزوفيتش.
وقال المدرب داليتش لدى سؤاله في مؤتمر صحفي حول عدم فوز كرواتيا أمام فرنسا في عام 1998 وتأثير ذلك على مباراة اليوم “لست قلقا من هذا الجانب فالإحصائيات والأرقام لن يكون لها أي تأثير”.
واكد داليتش انه “في نهائي كأس العالم لا يهم من سيكون خصمنا.. هدفنا هو فقط أن نقدم أفضل ما لدينا فالعالم كله سيتابع كرواتيا”.
وأضاف “جئنا إلى هنا للاستمتاع بالمباراة وبهذه اللحظات التاريخية ونريد الفوز بالمباراة ومعانقة اللقب” مشيرا الى ان لاعبي كرواتيا خاضوا الكثير من المباريات النهائية في مختلف المسابقات على غرار دوري الأبطال الأوروبي لكن مباراة اليوم “هي الأكبر في مسيرتهم.. ونحن جاهزون ومستعدون للنهائي أمام فرنسا ونركز على ذلك”.
وأضاف “نحن هنا للاستمتاع بكل اللحظات وتقديم كل شيء في الملعب ونحن نستحق ما وصلنا إليه” مؤكدا انه “علينا القتال في هذه المباراة الكبيرة لأجل الجماهير والشعب الكرواتي ونحن جاهزون لإظهار كل قدراتنا وتمثيل بلادنا بأفضل طريقة”.
بدوره تحدث نجم الفريق الأول لوكا مودريتش في المؤتمر الصحفي نفسه بالقول “أشعر بالسرور والسعادة عندما أقرأ كل المقالات والتقارير التي ترشحني لنيل الكرة الذهبية لكني أركز على نجاح الفريق فالأشياء أو الجوائز الفردية ليست من أولوياتي”.
وتطرق مودريتش الى مدربه داليتش واصفا اياه بأنه “شخص مهم كثيرا بالنسبة لنا قبل أن يكون مدربنا” مضيفا “انه يعمل لمصلحة الفريق ويريدنا أن نلعب جيدا وأن نحقق النتائج الجيدة”.
من جانبه قال لاعب الوسط إيفان راكيتيتش في مؤتمر صحفي منفصل ان منتخب فرنسا “فريق قوي ولديه لاعبون رائعون في كل المراكز ونعلم تماما انها مباراة صعبة”.
وأضاف انه على لاعبي فريقه “الظهور بأفضل مستوى في هذا اللقاء” مؤكدا ان هذه “ستكون معركة ورغبتنا في الفوز بها كبيرة جدا”.
على جانب آخر تحدث اللاعب السابق والمدرب الحالي سلافين بيليتش بكل احترام عن المدرب داليتش قائلا في تصريح صحفي ان “الفريق أصبح ناضجا لكن هذا هو عمل المدرب.. زلاتكو يقوم بعمل رائع إنه مدرب هادئ وعظيم”.
ووصف بيليتش النتائج التي حققتها كرواتيا في مونديال روسيا “بالخارقة مثلما كان عليه الحال في عام 1998”.
وكان هذا الرأي متوافقا مع ما قاله المدير الفني للمنتخب الفرنسي ديدييه ديشان الذي كان قائد منتخب “الديوك” الذي فاز ببطولة العالم في 1998 حيث قال في تصريح صحفي “أكن الكثير من الاحترام لكرواتيا التي كانت إلى وقت قريب أحد المنتخبات الصغيرة وكل الشرف والفضل يعود إلى المدرب زلاتكو داليتش ولاعبيه”.
وبغض النظر عن النتيجة التي ستؤول اليها موقعة اليوم فإن المؤكد هو ان الجيل الحالي للمنتخب الكرواتي تمكن من انتزاع قدر كبير من الاعجاب والاحترام بين صفوف غالبية محبي كرة القدم في العالم.