قال محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد يوسف الهاشل اليوم الثلاثاء، إن بنك الكويت المركزي يعمل على الدفع بصناعة التقنيات المالية وتوجيهها لهدف الكويت الأسمى وهو (استدامة الرفاه للجميع).
وأضاف الهاشل في كلمته خلال (الملتقى العالمي للمعلوماتية) المنعقد في الكويت أن التقنيات الحديثة فتحت أبوابا جديدة للتواصل وحملتنا إلى حيث لم يخطر في خيال كثير منا مؤكدا أن متطلبات المجتمع واحتياجاته كانت الدافع الأكبر وراء التقدم ومحرك لهذا التغيير.
وأشار المحافظ إلى إن الثورة التقنية غيرت العالم فوصلت أقطار الكوكب بعضها ببعض ونسجت شبكات التواصل الاجتماعي أنماطا جديدة من العلاقات الإنسانية وسهلت التقنيات إجراء الأبحاث والتسوق ودفع الأموال بلمسات قليلة على شاشات هواتفنا حتى بات من الصعب التفكير في عالم أعزل من هواتفه الذكية أو معزول عن الانترنت أو مجرد من شبكات التواصل الاجتماعي أو حتى من تطبيقات توصيل الطعام.
وقال إن العالم لم ير بعد كل ما في جعبة تقنيات الاتصال الحديثة ومادامت تلك التقنيات تتمتع بقبول هائل وتتقدم بلا أي مؤشر على التباطؤ، وإن الاقتصاديين باتوا يصفون هذه الحقبة باسم (الثورة الصناعية الرابعة) مشبهين أثر الثورة الرقمية في الاقتصاد المعاصر بأثر اكتشاف المحرك البخاري وآلة الاحتراق الداخلي والرقائق الحاسوبية في اقتصاد العهود الماضية على أنه يفوق ذلك كله بسرعته الفلكية.
وأشار إلى أن العالم كما نعرفه اليوم يتغير بصورة سريعة وتصوغه العوامل الإنسانية والتقنية صياغة جديدة حتى بات كثير من القطاعات التقليدية مثل الخدمات الصحية والنقل والضيافة وتجارة التجزئة والتصنيع تخوض اليوم غمار التطور التقني وتتغير كليا خلال هذه العملية.
وعن أثر التقنيات الحديثة على القطاع المالي ومستقبلها تناول المحافظ اتجاهات التقنيات المالية وما تعد به من فرص وما تنطوي عليه من مخاطر فضلا عن دور البنك المركزي والأطراف المعنية الأخرى في توجيه هذه الطاقة بما يمكن القطاع المالي ويسهل مشاركته في تحقيق هدفه الأسمى وهو (استدامة الرفاه للجميع) مشيرا إلى أنه لا يمكن تحقيق ذلك دون احتضان الإبداع التقني وتبنيه مع اجتناب المخاطر على المستخدمين والاقتصاد والمجتمع بمعناه الأشمل.
وعن تطور التقنيات المالية قال المحافظ إنها تتطور بسرعة هائلة ولكنها مهما بلغت من تقدم لا بد أن ترجع في أصلها إلى الإنسان مؤكدا انها في حال عدم سدادها احتياجات الانسان وتلبي متطلباته فإنه لن يتقبلها وبالتالي لن يكتب لها أي نجاح وهو الامر الذي ينطبق على التقنيات المالية التي تشمل في إطارها العام مجموعة واسعة من الابتكارات المالية الجديدة والمتقدمة.
واضاف أن التقنيات المالية توظف اثني عشر نوعا مختلفا من التقنيات من ضمنها تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي والبلوك تشين والأصول الافتراضية وغيرها مشيرا الى ان العالم قد تبنى بالفعل بعض هذه التقنيات مثل العمليات المصرفية عبر الهواتف الذكية في حين ما يزال قسم منها في انتظار التطبيق.
وأشار المحافظ إلى ارتفاع إجمالي الاستثمارات في التقنيات المالية خلال السنوات الست الأخيرة من 9 مليارات دولار أمريكي في 2012 إلى ما يقدر بقرابة 120 مليار دولار أمريكي في نهاية العام الماضي أي بنحو 50 في المئة سنويا، في حين يبلغ معدل الصفقة الاستثمارية في مجال التقنيات المالية 66 مليون دولار أمريكي يمثل ضعف المعدل في أي مجال من المجالات التقنية الأخرى.
وذكر أن الأصول الافتراضية مثال لافت على نمو الاستثمار في التقنيات المالية إذ يوجد اليوم ما يقارب 2100 نوع منها تنشط حول العالم وتبلغ القيمة السوقية للخمس الكبرى منها مجتمعة 160 مليار دولار أمريكي فيما بلغ مجموع أصول (بتكوين) وحدها في مطلع نوفمبر 110 مليارات دولار أمريكي متجاوزا قيمة إجمالي الجنيه الإسترليني المتداول في العالم رغم أنه عملة خامس أكبر اقتصاد في العالم.
وبين أن قيمة مجموع الأصول الافتراضية في ذروتها مطلع هذا العام زادت عن 830 مليار دولار أمريكي أي ما يقارب ثمانية أضعاف إجمالي الجنية الإسترليني المتداول في العالم مشيرا الى انه من الواجب أمام أرقام النمو البراقة وسرعته الهائلة ألا نذهل عن المخاطر التي تشكلها هذه الظاهرة على النظام المالي والمصرفي.
ولفت أن في الكويت أمثلة مشجعة اذ تحقق كثير من مبادرات التقنيات المالية نموا مشهودا وتستقطب آلافا من المستخدمين من المنطقة كلها وتشمل هذه المبادرات تطبيقات التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت وتوصيل طلبات الطعام وغيرها ولدى الكويت أكثر من ستين شركة لتطبيقات التقنيات المالية حاليا.
وأشار إلى أن النتيجة الواضحة من تنامي التقنيات المالية حجما وقيمة ونوعا تؤكد أنها ليست صيحة قصيرة الأمد بل تيار تغيير شديد القوة ليس بالمقدور الإبطاء من سرعته ولا الوقوف مكتوفي الأيدي إزاءه ولا حتى الثبات حيث نحن مبينا أن جميع الأطراف المعنية مطالبة بالدفع بهذه الصناعة وتوجيه هذا التيار العارم جهة “استدامة الرفاه للجميع”.
أما بالنسبة للفرص والتحديات والمخاطر التي تكتنف التقنيات المالية قال المحافظ إن مكمن الفرص التي تعرضها التقنيات المالية هو القبول الهائل الذي تحظى به إذ يرغب العملاء بالحصول على خدمة سلسة ومن هنا تتأتى للتقنيات المالية جاذبيتها وتقوم على أربع ركائز، وهي سهولة الوصول إلى الخدمات المالية، والكفاءة العالية والكلفة المنخفضة وجودة التجربة التي تمنحها للمستخدم مشيرا إلى أنها وفرت بفضل سهولة الوصول إليها فرصة مواتية لتعزيز الشمول المالي وإيصال الخدمات المالية في ظل عدم وصول الخدمات المصرفية إلى ما يقارب ربع سكان الارض اي 1,7 مليار.
مستشهدا بتجربة كينيا في هذا المجال، حيث الحصول على هاتف ذكي أسهل من فتح حساب مصرفي، نجح تطبيق (إم-بيسا) في إيصال الخدمات المالية للملايين من العملاء غير المشمولين بخدمات البنوك من خلال نظام للتحويلات المالية عبر الهواتف الذكية وقد حقق نجاحا كبيرا بعدد مستخدمين اليوم يتجاوز 25 مليون مستخدم في عشر دول.
وعقد الدكتور الهاشل مقارنة بين عدد عملاء أكبر بنك في العالم (البنك الصناعي والتجاري الصيني) البالغ 500 مليون عميل وعدد عملاء أكبر شركات التقنيات المالية في العالم (آنت فاينانشال) الذي يتخطى 870 مليون عميل.
وأضاف أن آخر التقديرات تشير إلى بلوغ قيمة آنت فاينانشال 150 مليار دولار أمريكي ما يضعها في مصاف مؤسسات مالية عريقة تعمل في هذا القطاع منذ 150 عاما فضلا عن قيمة هذه الشركة بلغت في 14عاما فقط أكثر من ضعف ما بلغته قيمة بنك غولدمان ساكس بعد قرن ونصف من تأسيسه.
وذكر المحافظ انه بفضل كفاءة التقنيات المالية بات انجاز العمليات المالية بسرعة إرسال بريد إلكتروني الأمر الذي أدى الى انخفاض كلفة تحويل الأموال واستثمارها كما أصبح العميل اليوم بفضل كفاءة التقنيات المالية قادرا على الاستثمار مهما كان المبلغ قليلا.
ورأى المحافظ أن أكبر التحديات المتعلقة بالتقنيات المالية تكمن في تبني هذه التقنيات وتطبيقها في صورة خدمات وإدماجها مع النظم التقليدية القائمة فضلا عن ضرورة تبني ثقافة جديدة في إدارة الأعمال وبناء مهارات جديدة على كل الصعد وبالتالي استثمارا في العنصر البشري تأهيلا وتدريبا ورفعا لمستوى مهاراته.
واكد على وجود مخاطر يبغي تجنبها أو خفض احتمالاتها أولها التهديدات بالاختراق والسرقة لبيانات المستخدمين وأموالهم مالم توضع وسائل الحماية اللازمة لتحصينها وحراستها.
وأضاف ان امتداد أنشطة شركات التقنيات المالية على رقعة واسعة من العالم وارتباطها مع أطراف مختلفة وشركاء متباينين قد تنشئ ثغرات تستغل لعمليات غير قانونية من إساءة لاستخدام النظم وغسل للأموال وغيرها من الأنشطة غير القانونية
وتابع الدكتور الهاشل انه مع الترابط المتزايد للنظام المالي فالمطلوب ضمان متانة البنى التحتية التقنية وأمنها لعدم التعرض لمخاطر تشغيلية واختلالات تقنية يصعب التنبؤ بها مبينا ان شركات التقنيات المالية التي تنمو نموا هائلا في سرعته وحجمه بامكانها أن تشكل مخاطر نظامية على النظام المالي برمته كما في حال القرصنة على بيانات العملاء للشركات.
وأضاف أنه على الرغم من أن حالات القرصنة بهذا الحجم نادرة نسبيا إلا أنها إن حدثت يكون وقعها مدويا مشيرا الى عملية القرصنة التي تعرضت لها وكالة التصنيف الائتماني للأفراد إيكويفاكس وسرق من جرائها بيانات شخصية ومالية لمائة واربعين مليون عميلا كما تعرضت شركة كوين تشيك لعملية اختراق خسرت فيها أكثر من 500 مليون دولار أمريكي من أصولها الافتراضية.
وعن دور البنك المركزي في التقنيات المالية قال المحافظ إنه في ضوء الفرص والتحديات فانه يتعين على الجهات الرقابية تحقيق توازن بالغ الدقة بين إطلاق العنان للابتكار والابداع وبين ضمان استقرار النظام المالي.
وأضاف أن الاستقرار المالي والنقدي أولى أولويات (المركزي) ما يستدعي منع استغلال منصات التقنيات المالية كثغرة تتسرب منها الأموال الناجمة عن العمليات غير القانونية والإجرامية فضلا عن ضمان عدم تهديد التقنيات المالية استقرارنا المالي والاقتصادي لا من الناحية التقنية ولا من الناحية النظامية.
وأفاد أن بنك الكويت المركزي لا يدخر جهدا في حماية العملاء من خلال التحقق من قيام التقنيات المالية على نظم موثوقة ووسائل أمن وحماية وافية ولكن ذلك لا يعفي العملاء من مسؤولية التحلي بالوعي بمخاطر معاملات التقنيات المالية.
وقال الدكتور الهاشل إنه بالنظر إلى المخاطر المحتملة تتضح أهمية الدور المحوري الذي تنهض به الجهات الرقابية في تطوير البيئة الملائمة لتبني التقنيات المالية مشيرا ويتبين أن النظم الرقابية الحديثة الفعالة شرط لا مناص منه ولا غنى عنه لبيئة خصبة تزدهر فيها التقنيات المالية.
واشار الى المقاربة المبادرة والحيوية التي يتبناها (المركزي) القائمة على رؤية واضحة واستراتيجية فعالة لتبني التقنيات وتوجيهها لما فيه صالح المجتمع عبر تبني أحدث الابتكارات وتبادل الخبرات مع الجهات الرقابية الأخرى لتطوير منظومة العمل الأنسب لمجتمعنا وإشراك الأطراف المعنية كلها في النقاش قبل إصدار تعليمات رقابية.
وقال إن لـ (المركزي) خطى واسعة في دعم ابتكارات التقنيات المالية محليا كان أحدثها ما أصدره من تعليمات حول تنظيم أعمال الدفع الإلكتروني للأموال بما يضمن استمرار أمن النظام المالي وسلامته ويغطي متطلبات كل الأطراف المعنية وحددت أدوارا واضحة لكل من هذه الأطراف وذلك تحت إشراف رقابي مرن وفاعل يضمن سلامة الخدمات المقدمة وخلوها من المخاطر.
واضاف أن المركزي شرع في تنفيذ قائمة طويلة من المبادرات لتطوير البنى التحتية للنظام المالي في الكويت وفق أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال ليتمكن رواد الأعمال والمشاريع الناشئة من التعامل بنظام متطور للمدفوعات يتمتع بالفاعلية والمرونة والأمان.
وعدد المحافظ بعض من تلك المبادرات كنظام الكويت الوطني للمدفوعات الذي يعتبر مشروعا استراتيجيا ضخما جار تطويره وسوف تطرح مرحلته الأولى للعمل في 2019 وتستكمل بقية المبادرات بعد ذلك بعام موضحا أن النظام يضم مجموعة من المبادرات تشمل نظام حماية الأجور ونظام العملة الرقمية ونظام المقاصة الآلية وغيرها، فضلا عن نظام الخدمات المصرفية الالكترونية للجهات الحكومية الذي يرفع كليا كفاءة تنفيذ المدفوعات الحكومية الإلكترونية ويستبدل بالمعاملات الورقية معاملات مؤتمتة تنفذ آنيا بأعلى درجات الدقة حيث تم الانتهاء من تطوير هذا النظام بنجاح ويجري طرحه على المؤسسات الحكومية كافة.
وذكر أنه تشجيعا للمشاريع الناشئة حديثا قام البنك المركزي بإطلاق البيئة الرقابية التجريبية وهي بيئة اختبار آمنة تتيح تجربة المنتجات والخدمات المالية المبتكرة دون تعريض النظام برمته للخطر وفي ذات الوقت تفسح المجال للإبداع.
وفيما يتعلق بالأطراف المعنية ودور كل منها قال المحافظ الهاشل إن هذه الأطراف هي الجهات الرقابية والمؤسسات التعليمية والمبتكرون والبنوك.
وأضاف أن على الجهات الرقابية الأخرى مطالبة بالقيام بدور مبادر وحيوي في إيجاد بيئة رقابية تحفز الإبداع والنمو وفي ذات الوقت تنفي المخاطر والتحلي بالمرونة والحصافة واليقظة معا.
وأكد المحافظ على ضرورة استعداد المؤسسات التعليمية للمستقبل وإعداد الطلبة لذلك تبني تضمين التقنيات الرقمية في مناهجها الدراسية وعقد شراكات مع المؤسسات العالمية وتأسيس مختبرات الابتكار لتطوير أبحاث التقنيات المالية وحلولها مشيرا إلى أن (المركزي) يدرس تأسيس مثل هذا المختبر بالتعاون مع عدد من الجامعات والمؤسسات العالمية.
ودعا المبتكرين إلى تقديم حلول خارج الأطر المألوفة تخدم احتياجات المجتمع بطريقة مسؤولة ومستدامة فضلا عن ضرورة قيام البنوك بسرعة تبني الحلول التي توفرها التقنيات المالية والبناء على ما تتمتع به من ثقة وخبرة وقدرات مالية لتقديم خدمات أفضل لعملائها والحفاظ على الثقة التي اكتسبتها والبناء عليها.