ارتكبت جماعة أنصار الله (الحوثيون) وغيرها في اليمن، عدداً من الاعتداءات وإساءات أخرى بحق الإعلام، في خضم ظروف سياسية وأمنية متدهورة في البلاد.
وأوضحت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في تقرير لها، أنّ “في الأسابيع الأخيرة تزايدت حالات الاعتقال التعسفي والعنف بحق الصحافيين وغيرهم من العاملين في الإعلام من جانب أنصار الله، فقامت مليشيات أنصار الله بمداهمة مقرات ثلاثة منافذ إعلامية منذ يناير 2015”.
وتابعت: “قد تكون جماعات أخرى ضالعة أيضاً في الهجمات. ففي 18 مارس، قام مسلحون مجهولون بقتل عبدالكريم محمد الخيواني، المؤيد لأنصار الله ومنتقد الحكومة السابقة، قرب منزله في صنعاء”.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن انهيار الأمن في أرجاء اليمن عمل على تعريض وسائل الإعلام في البلاد لمخاطر متزايدة، داعياً جميع الأطراف في اليمن إلى إرسال رسالة واضحة لقواتها تفيد بوقف تهديد الصحافيين والاعتداء عليهم.
وسيطر الحوثيون، منذ اجتياحهم العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي، على معظم وسائل الإعلام الحكومية، والتحكم في سياستها التحريرية، والترويج لأنشطتها المسلحة.
ونقلت المنظمة عن خمسة من العاملين في منافذ إعلامية للبث والطباعة تملكها الدولة قولهم إن الحوثيين منذ الاستيلاء على صنعاء زرعوا أتباعهم داخل المناصب القيادية في منافذ إعلامية مختلفة.
وقال إنها وثقت سبع وقائع تتضمن الاعتداء على صحافيين ووسائل إعلام بين 31 ديسمبر 2014 و7 مارس 2015. وقال معد الزكري، المصور في قناة أزال التلفزيونية، إن مسلحين أخذوه هو وشقيقه البالغ من العمر 20 عاماً من منزلهما، في الواحدة والنصف من صباح 31 ديسمبر 2014، معصوبي العينين، واقتادوهما إلى مبنى قام الرجال فيه باحتجاز الشقيقين في غرفتين منفصلتين.
وقال الزكري إن رجلاً استجوبه بشأن مقطع إخباري كان قد صوره عن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الإسلامي المتشدد، وأذيع في أكتوبر، وطالب الرجل بمعرفة مكان أحد قادة القاعدة ممن أجرى معهم الزكري مقابلة.
وقال المصور إنه ظل معصوب العينين، وتعرض للصعق بالكهرباء، وسكب الماء القذر فوقه، ولم يُمنح الطعام أو يسمح له بزيارة الحمام إلا مرة واحدة في اليوم. وأضاف “وفي اليوم الثالث، دخل بعض الرجال واعتذروا لاحتجازي قائلين إنه كان غلطة”. ثم حذروه “ألا يكتب عن القاعدة أو ضدها كثيراً”، وأطلقوا سراحه هو وشقيقه.
وتقدم الذكري بشكوى لدى الشرطة والنائب العام، لكن السلطات أبلغته بأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، وأن عليه التقدم بشكواه إلى أنصار الله مباشرة.
وقال كمال جمال، من قناة “سهيل” التلفزيونية، إن مسلحين بثياب مدنية احتجزوه مع المصور يحيى الأعور يوم 3 فبراير 2015، بينما كانا يصوران عملية استطلاع رأي سياسي وسط طلاب جامعة صنعاء. وقال جمال إن الرجلين كانا يتحدثان في أجهزة لاسلكية، وقالا لهما إن التصوير الفوتوغرافي أو التلفزيوني ممنوع، ثم احتجزاهما عندما واصلا التصوير. قام المسلحون باحتجاز الصحافيين داخل حرم الجامعة إلى حين وصول الشرطة التي أخذتهما إلى أحد الأقسام، وبعد ساعات أعادت لهما الشرطة معداتهما وأفرجت عنهما.
وقال سيف الحاضري، رئيس مؤسسة “الشموع” الصحافية التي تصدر أربع مطبوعات، إن نحو 40 مسلحاً أغلب الظن أنهم من أنصار الله اقتحموا مكتب المؤسسة في 5 فبراير، وأمروا جميع العاملين بمغادرة المبنى المكون من 5 طوابق، ثم صادروا حاسبات وأجهزة بث ومعدات أخرى، وشرائط وأسطوانات فيديو، تبلغ قيمتها الإجمالية 18600 دولار أميركي، بحسب تقديره.
وكان بعض المسلحين يرتدون أزياء عسكرية الطراز، بينما كان الآخرون بثياب مدنية ويحملون شعارات التأييد لأنصار الله. وبعد مرور أكثر من شهر، ما زال الرجال يسيطرون على مبنى المؤسسة ويواصلون الخروج بممتلكات منه، كما قال الحاضري.
وقال أمين دبوان، مراسل قناة يمن شباب التلفزيونية، للمنظمة إن خمسة مسلحين بزي الشرطة وملصقات أنصار الله قاموا باحتجازه في 6 فبراير، بينما كان يصور مظاهرة معارضة لأنصار الله في ميدان التغيير بصنعاء. أخذ المسلحون الكاميرا ثم هاتفه المحمول لاحقاً، واحتجزوه طوال الليل في قسم الشرطة مع خمسة من المتظاهرين المعتقلين، وهددوه بالضرب. وبعد 24 ساعة، أطلقت الشرطة سراحه، لكنها لم ترد له الكاميرا أو الهاتف.
وقال نبيل الشرعبي، المحرر في صحيفة “أخبار اليوم”، إن خمسة مسلحين يحملون بنادق هجومية وملصقات أنصار الله، اقتحموا المبنى الذي يؤوي طاقم الصحيفة في 5 مارس.
وكان أحدهم يرتدي زي قوات الأمن الخاص، بينما كان الباقون بثياب مدنية. وأخذوه مع أربعة من زملائه إلى مكتب الصحيفة في المبنى المجاور، حيث أجبروه، تحت تهديد السلاح، على التوقيع على تعهد “بعدم الانخراط في أية أعمال تعارضهم”، وأفرجوا عنه بعد 4 ساعات، لكنهم ما زالوا يحتجزون أحد زملائه، على حد قوله.
وقال هشام هادي، مراسل قناة “سهيل” التلفزيونية، إن 12 مسلحاً بأزياء عسكرية وزي قوات الأمن الخاص، بصحبة 6 آخرين بثياب مدنية، اختطفوه في 7 مارس، بينما كان يغطي مظاهرة في إب، المدينة الواقعة جنوبي صنعاء. وقال إن الرجال اقتادوه إلى مسكن خاص كانوا يستخدمونه كمقر احتجاز غير رسمي، حيث قام آخرون بعصب عينيه واستجوابه وإهانته، ثم أطلقوا سراحه في 9 مارس.
وقال عبدالرحمن النهاري، صاحب قناة “وديان إف إم” الإذاعية وصاحب شركة للخدمات والإنتاج الإعلامي في مدينة الحديدة الساحلية غربي صنعاء، لـ”هيومن رايتس ووتش” إن نحو 24 مسلحاً بثياب مدنية، قالوا إنهم يتحركون نيابة عن أنصار الله، اقتحموا مكتب شركته في 11 مارس، ثم رحلوا بعد 3 ساعات. لكن قائد أنصار الله في الحديدة أبلغه في اليوم التالي بأن منفذه الإعلامي لن يعود للبث ما لم يتعهد بـ”عدم بث أي مواد تنتقد” أنصار الله.
وأفادت نقابة الصحافيين في اليمن بأن مقاتلي أنصار الله اعتدوا بالضرب على ما لا يقل عن 10 صحافيين ومصورين، بينما كانوا يغطون المظاهرات، بين 25 يناير و25 فبراير، كما احتجزوا سبعة منهم تعسفياً لأسباب متباينة، وصادروا الكاميرات وحطموها. وأبلغت مؤسسة الحرية، وهي منظمة يمنية ترصد حرية الصحافة، عن ما لا يقل عن 49 اعتداءً على الإعلام في يناير.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها “مهنة خطرة على الحياة: الاعتداء على الصحافيين في ظل حكومة اليمن الجديدة”، إن اليمنيين اكتسبوا حرية أكبر في التعبير، منذ حلول هادي محل علي عبدالله صالح كرئيس للبلاد في فبراير 2012، إلا أن هذا جلب معه أيضاً تصاعدا في التهديدات والعنف بحق وسائل الإعلام من قبل جماعات سياسية مختلفة، تشمل أنصار الله ومؤيدي صالح وقوات الأمن الحكومية.
وقال جو ستورك: “تأتي الاعتداءات الأخيرة على الصحافيين والإعلام كمؤشر على تدهور الأوضاع في اليمن، ولن يزداد الوضع الأمني إلا سوءاً، إلى حين تولي حكومة قادرة على استعادة سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان”.