ارتفعت طلبات العرب للجوء من دولهم الى دول أخرى بشكل لافت السنوات الأخيرة. واختلفت الأسباب والدوافع أهمها مرتبط بعدم الامان أو وجود تهديد على حياة الفرد بسبب ميوله أو افكاره أو اضطهاد ديني كالتخلي عن المعتقدات الدينية والالحاد، فضلا عن أسباب مرتبطة بمكاسب حقوقية أو سياسية أو أخرى مرتبطة بنزعة فردية للهجرة أو للفرار من تنفيذ أحكام حسب الحالات التي درستها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتعرض الدراسة تصنيفا لأكثر العرب طلبا للجوء أعده مركز دراسات الخليج العربي (CSRGULF) استنادا على احصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2017. وحسب التصنيف قفز عدد طالبي اللجوء من شتى الدول العربية الى أكثر من 613 الفا[1] ومرشح هذا العدد للارتفاع في حال تم اضافة طلبات اللجوء التي تم التقدم بها خلال العام الماضي والتي الى الآن جاري حصرها والتدقيق فيها. لكن المثير للانتباه خلال الدراسة هو ارتفاع عدد طالبي اللجوء من سكان دول الخليج (مقيمين أو مواطنين) بشكل لافت مناهزا 2578 طلب لجوء[2] في عام 2017 فقط.
وتبين الدراسة زيادة حالات رفض طلبات اللجوء في العامين الأخيرين بعد استباب الأمن في عدد من الدول العربية خصوصا العراق وليبيا ومناطق في سورية. ويبدو أن عددا كبيرا من الدول باتت تتشدد في منح حق اللجوء السياسي أو المدني بعد تفاقم ظاهرة اللجوء القانوني وغير القانوني من خلال استمرار تسلل الكثيرين الى عدد من الدول والبقاء فيها بصفة غير قانونية أو الفرار الى بعض الدول بدعوى التهرب من تنفيذ أحكام. فقد قامت بريطانيا مثلا في عام 2016 برفض نحو 60 بالمئة [1]من طلبات اللجوء المقدمة لها. وبدت ألمانيا[2] أقل دول أوروبا والعالم رفضا لطلبات اللجوء مع بعض الدول الإسكندنافية وهو ما شجع تركز طلبات العرب على اللجوء اليها.
تجدر الاشارة الى أن أغلب طالبي اللجوء العرب الذين تم قبولهم اما يحصلون على (اللجوء الانساني) بسبب التعرض للاضطهاد بسبب حريات فردية، أو تهديد الحروب كالعراقيين والسوريين واليمنيين والسودانيين والفلسطينيين الهاربين من الصراعات أو الاضطهاد، أو يحصلون على (اللجوء السياسي) بسبب القمع. وبدى أن اللاجئين السياسيين العرب في ازدياد خصوصا من فروا من الدول التي تفرض قيودا على الحرية أو العمل السياسي.
ويهدف القانون الدولي إلى حماية اللاجئين بينما يسمح للدول بالاحتفاظ بالسيطرة على حدودها لكن تعريف وضع “اللاجئ السياسي”[3] يخضع لصراع مستمر حول من يستحق ومن لا يستحق. هذا المصطلح له معنى قانوني، من حيث أنه يصف الشخص الذي يحق له اللجوء بموجب القانون الدولي، ومعناه العامي، من حيث أنه يصف الشخص الذي هرب من منزله.
ارتفاع عدد طالبي اللجوء من دول الخليج والكويت
ارتفع عدد طالبي اللجوء من سكان الكويت الى 944 [4] بنهاية عام 2017 مقارنة بنحو 654 طالب لجوء[5] في عام 2016. وأتت بذلك الكويت الثانية خليجيا من حيث دول المنشأ لأكثر طالبي اللجوء من سكان الخليج.
وتشير أرقام رصد طلبات اللجوء الى حالات الأشخاص الذين تصنف مفوضية اللاجئين وضعيتهم بالمقلقة. ورصدت المفوضية أكثر من 93 ألف شخص يعيشون وضع مقلقا في الكويت، في اشارة الى فئة البدون على الأرجح.
كما ارتفع عدد طالبي اللجوء من سكان السعودية (مقيمين او مواطنين غير محدد لسرية المعلومات حسب منظمة اللاجئين) الى 1223[6] بنهاية عام 2017 مقارنة بنحو 1000 طلب[7] في عام 2016. وأتت بذلك السعودية الاولى خليجيا من حيث طالبي اللجوء. بينما أتت كل من الامارات في المرتبة الثالثة خليجيا بنحو 182 طلب لجوء من سكان غير محدد هويتهم (مقيمون أو مواطنون) في عام 2017 مقارنة بنحو 165 في عام 2016، تلتها البحرين بنحو 174 طلب لجوء في عام 2017 مقارنة بنحو 65 في عام 2016، لتحل قطر قبل الاخيرة خليجيا بنحو 33 طالب لجوء (مقيمون او مواطنون غير محدد) في عام 2017 مقارنة بنحو 24 في عام 2016 وعمان في المرتبة الأخيرة بنحو 22 طلب لجوء مقدم في عام 2017 مسجلة تراجع في الاقبال على الطلب اللجوء في عام 2016 (25) وغير محدد مقدموه كانوا (مقيمون في عمان او عمانيون).
ويفضل طالبو الهجرة من سكان دول الخليج وجهات في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا واستراليا والبرازيل وبريطانيا. وعلى سبيل المثال يفضل طالبو اللجوء من سكان الكويت على سبيل المثال بريطانيا أولا ثم الولايات المتحدة، أما أكثر من نصف طالبي اللجوء من سكان السعودية يفضلون الولايات المتحدة كوجهة لجوء أولى، كما يفضلها أيضا بقية طالبي اللجوء من سكان بقية دول الخليج. ومن اللافت تسجيل131 طلب لجوء من الكويت للعراق.
وبلغ عدد اللاجئين من سكان دول الخليج الى عام 2017 نحو 2742 بينهم 1082 لاجئ من سكان الكويت في العالم منهم 542 يقيمون في بريطانيا. وبلغ عدد اللاجئين من سكان السعودية (مقيم او سعودي غير محدد) نحو 1119 لاجئ سعودي في العالم. وتوزع اللاجئون بين الولايات المتحدة وكندا واستراليا والبرازيل وبريطانيا بالأساس. وتم رصد 333 لاجئا من البحرين يقيمون في العالم يقيمون اغلبهم في استراليا وبريطانيا والمانيا والولايات المتحدة ولبنان.
ومن الامارات هناك نحو 125 لاجئ (مقيم أو مواطن غير محدد) في العالم يتزعون أغلبهم بين الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. وعلى صعيد متصل يوجد نحو 32 لاجئ من قطر حول العالم (لم يحدد ان كانوا من المقيمين او المواطنين) وهم متوزعين بين الولايات المتحدة وكندا. ومن سكان عمان يقيم 29 لاجئ بين بريطانيا وكندا والمانيا.
وأوضحت احصائيات بريطانية ان نحو ثلث (29 في المئة) من طالبي اللجوء اليها في عام في 2016 هم من دول شرق أوسطية.
ويعتبر بعض المراقبين أن فرض الحداثة الاجتماعية في مجتمع خليجي مؤسس أصلا وفق نظام قبلي بدأ يصطدم فعلاً برفض البعض تبني قيم التحرر الغربية التي تمس من ترابط الأسر على غرار المساواة في الحرية بين الذكور والاناث. حيث تعودت الكثير من الاناث على مبدأ التبعية الى الرجل كسلوك ينسجم مع القيم القبلية الاسلامية. فيما تم ملاحظة سعي عدد من الناشطات التمرد وممارسة الحريات الفردية بشكل كامل ومستقل وعدم المبالاة بالتعرض للنقد أو النبذ الاجتماعي وهو ما ينطبق أيضا على حالات أخرى مطالبة بممارسة الحريات الفردية، وفي حال قمع المجتمع لها يلجأ بعضهم الى طلب اللجوء ولعل الفتاة السعودية رهف القنون اللاجئة الى كندا وأستاذة الجامعة الكويتية فاطمة المطر التي اعلنت لجوئها الى الولايات المتحدة تمثل أحدث النماذج المعلنة من حالات لجوء في تزايد من دول الخليج بسب ما يزعمونه تعرض للاضطهاد نتيجة ما يعتبرونه تمردهم على القيم المجتمعية والعادات والتقاليد.
زيادة غير مسبوقة لطلب العرب اللجوء الى ألمانيا والدوافع انسانية وأمنية
على صعيد طالبي اللجوء العرب استمر عدد طالبي اللجوء من العراق في الارتفاع ليتصدر قائمة طالبي اللجوء العرب في 2017 على الرغم من عودة الاستقرار في البلاد. وتجاوز عددهم أكثر من 273 الفاُ طالب وطالبة لجوء، أي أكثر من ربع مليون عراقي يريدون الخروج من بلادهم واللجوء خصوصا الى تركيا. اذ أن نحو 116 ألف عراقي طلب اللجوء الى تركيا في عام 2017، بينما برزت ألمانيا كثاني وجهة مفضلة لطالبي اللجوء العراقيين بنحو 46 ألف طلب لجوء في العام نفسه. وأتت سوريا بـ(18 ألف) ولبنان بـ(14 الف) كوجهات لجوء أخرى مفضلة للعراقيين. مع الاشارة الى أن نحو 285 عراقي طلبوا اللجوء الى الكويت في عام 2017.
وأتى السوريون في المرتبة الثانية في تصنيف أكثر العرب طلبا للجوء بنحو 137 ألف طالب لجوء نصفهم يريد اللجوء الى ألمانيا. وحل الصوماليون في المرتبة الثالثة بنحو 58.289 ألف طالب لجوء الى العالم أغلبهم نحو دول أفريقية مثل أوغندا وكينيا وليبيا ودول أوروبية مثل ألمانيا، كما تقدم نحو 419 صومالي بطلب لجوء إلى الكويت.
وجاء السودانيون في المرتبة الرابعة بنحو 52.157 ألف طالب لجوء أغلبهم يريدون اللجوء الى مصر بنحو 19 ألفا. أما اليمنون فحلوا في المرتبة الخامسة من حيث رغبة اللجوء بنحو 24 ألف طالب لجوء أكثرهم يريدون اللجوء الى الاردن ومصر. أما المصريون فأتوا في المرتبة السادسة عربيا من حيث زيادة الرغبة في اللجوء بنحو 14.529 ألف مصري طالب اللجوء الى دول كثيرة في العالم بينهم 4600 طالب لجوء مصري الى الولايات المتحدة. وأتى اللبنانيون في المرتبة السابعة بنحو 9250 طالب لجوء نصفهم يرغبون الاستقرار في ألمانيا. وجاء الفلسطينيون في المرتبة الثامنة عربيا من حيث الاقبال على طلب اللجوء بنحو 8847 طالب لجوء بينهم 5 طالبي لجوء الى الكويت و1676 طالب لجوء إلى ليبيا، بينما لم يطلب فلسطيني واحد خلال عام 2017 اللجوء الى مصر بعد أن كان عدد طلبات اللجوء الى مصر في ازدياد في الماضي. وهو ما يعني انقطاع الرغبة أو الامكانية لدى الفلسطينيين في اللجوء الى مصر حيث يقيم نحو 70 ألف فلسطيني بصفة لاجئ. وبدت اسبانيا الوجهة المفضلة لطالبي اللجوء الفلسطينيين.
وفي المرتبة التاسعة حل الموريتانيون بتقديم نحو 7567 طلب لجوء أغلبهم الى أنغولا، والباقي الى الولايات المتحدة. وحل المغاربة في المرتبة العاشرة بنحو 6842 طالب لجوء ووجهتهم المفضلة التي يطلبونها في بيانات طلب اللجوء هي ألمانيا وايطاليا وفرنسا. وجاء الليبيون في المرتبة الحادي عشرة لأكثر العرب رغبة في اللجوء بنحو 6811 ليبي طالب لجوء أغلبهم نحو الولايات المتحدة وألمانيا. أما الجزائريون فحلوا في المرتبة الثانية عشرة بنحو 6400 طالب لجوء اغلبهم يريدون التوجه اما لألمانيا أو فرنسا. وأتى الاردنيون في المرتبة الثالثة عشرة بنحو 3466 طالب لجوء أغلبهم نحو الولايات المتحدة. أما المرتبة الرابعة العشرة فكانت من نصيب التونسيين بتقديم نحو 2026 طلب لجوء الى العالم واعرب النصيب الاسد منهم في اللجوء الى ألمانيا وايطاليا. وحل سكان جزر القمر في المرتبة السابعة عشرة بتقديم نحو 323 قمري طلب لجوء.
عرب يطلبون اللجوء الى اسرائيل
حسب احصائيات مفوضية اللاجئين بلغ عدد طالبي اللجوء العرب الى اسرائيل أكثر من 4525، النصيب الأسد منهم 4500 سوداني، والباقي 13 صومالي و 12 مصري وكلهم قدموا طلبات لجوء الى اسرائيل في عام 2017 حسب آخر تحديث لإحصائيات المفوضية التي ترصد طلبات اللجوء.
ولم تكن الحالات الأولى لطلب لجوء عرب الى اسرائيل. بل تستقبل اسرائيل سنويا ألاف طلبات اللجوء خصوصا من الأفارقة وبينهم عرب. وأغلب الطلبات تحقق فيها اسرائيل وتكتشف أن أغلبها طلبات هجرة للعمل ولا تنطبق عليها شروط اللجوء. ويطالب نحو 38 الف[8] مهاجر وطالب لجوء أفريقيين بالانتقال الى إسرائيل وفقاً لوزارة الداخلية الاسرائيلية. ونحو 72 في المائة منهم إريتريون و20 في المائة سودانيون. ومنذ عام 2010، زادت موجة طالبي اللجوء المتسللين من سيناء إلى إسرائيل، وقد عبر 1300 شخص بشكل غير قانوني الحدود كل شهر. وفي عام 2014، أكملت إسرائيل بناء سياج إلكتروني بطول 242 كيلومترًا على طول الحدود مع سيناء. وانخفضت على اثر ذلك الهجرة غير القانونية عبر سيناء.
وعلى صعيد آخر، يوجز قرار أخير للمحكمة العليا الإسرائيلية السياسات الحكومية بشأن قبول “المتسللين” الأفريقيين[9] أنه بغض النظر عما إذا كانت دوافعهم في الوصول إلى إسرائيل هي لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، أو هربا من الاضطهاد السياسي، فأن إسرائيل لم ترسل مواطنين سودانيين إلى بلدهم بعد تسللهم بقصد اللجوء كما لم تمنع هذه السياسات المتسللين الى اسرائيل أمن تقديم طلبات فردية للحصول على وضع اللاجئ. وتجدر الاشارة الى ان سياسات اسرائيل في قبول اللاجئين تتعاطف مع معتنقي الديانة اليهودية[10] والمتعرضين للاضطهاد في دولهم بسبب ذلك.
أهم دوافع طلب اللجوء من الكويت
عدد من التقارير ترجح ان أكثر طلبات اللجوء من الكويت على سبيل المثال يقدمها فئة البدون[11] الباحثين على اللجوء الى دول اخرى من اجل تحسين اوضعاهم والحصول على وثائق رسمية. وحسب تقارير حكومية بريطانية [12] حققت في قبول ورفض طلبات اللجوء فان رفض طلبات اللجوء من متقدمين من الكويت وخصوصا فئة البدون يعود الى عدم تعرض بعض طالبي اللجوء الى اضطهاد قهري من قبل السلطات خصوصا بعد قيام دولة الكويت بتحسين جانب من الاوضاع الاجتماعية وتمكينهم من بعض الحقوق المدنية للبدون. لكن في حالة تعرض بعض البدون الذين لا يحملون وثائق والذين يعيشون في الكويت الى حالات تمييز شديد لدرجة يعادل الاضطهاد[13]. قد يكون منح اللجوء مناسبا في مثل هذه الحالات.
وتعتبر تقارير حكومية بريطانية أن قيمة الحصول على الجنسية الكويتية تجعل من غير المرجح أن يتخلى أي بدون ممن يحتمل امكانية تجنيسه عن الجنسية الكويتية مقابل محاولة طلب اللجوء الى بلد آخر[14].
وعلى مستوى الدول العربية، تؤكد الدراسة ان طالبي اللجوء العرب هم في تزايد ويطلبون الهجرة من دولهم، ويكون خيار طلب اللجوء إما خيارا ذاتيا ناجما عن قناعة تامة، أو اضطرارا لوجود مصدر قلق يهدد حياة طالب اللجوء كان فردا او عائلة في بلاد المنشأ وقد تختلف الأسباب بين فكرية تحررية وعقائدية او الخيار الثالث هو الفرار الى الدول المراد اللجوء اليها ثم تقديم طلب اللجوء حين الوصول، وهناك كثيرون من هذا الصنف من طالبي اللجوء والذين من بينهم الفارين من تنفيذ احكام قضائية او الصادرة بحقهم تتبعات عدلية لأسباب مختلفة.
وقد ينطبق هذا على كثير من الذين لاذوا بالفرار خصوصا من دول الخليج أو بقية الدول العربية من اجل عدم تنفيذ الاحكام. وفي الكويت تعددت حالات الفرار من البلاد والاقامة في دول اخرى وبعضهم يطلب اللجوء للتمتع بالإقامة وتفادي تطبيق الاحكام. وصفة لاجئ ان تمتع بها الشخص قد تمكنه من حصانة ولو وقتية تحول دون تسهيل اعادته للبلاد قصرا نظرا لان اجراءات الترحيل في حال تمتع الفرد بحق اللجوء تصبح معقدة وتأخذ وقتا طويلا، ولعل أبرز مثال على ذلك، عدم تمكن تركيا الى اليوم من استرجاع المعارض التركي عبد الله غولن اللاجئ الى الولايات المتحدة على الرغم من تقديم بطاقات جلب فورية من القضاء التركي خصوصا بعد اتهامه بتدبير عملية انقلاب في عام 2015.
لكن يبدو أن هناك الكثير من الدول في العالم لا تقبل طلبات اللجوء بشكل عشوائي حتى وان كانت وضعية طالب اللجوء مقلقة في بلده أو في البلد المضيف الذي قدمه فيه طلب اللجوء. اذ تعمد أغلب حكومات الدول المستضيفة لللاجئين على دراسة حالة طالب اللجوء من جميع النواحي. فتعمد دول مثل كندا والولايات المتحدة ودول إسكندنافية الى تفضيل انتقاء طلبات لجوء الافراد او العائلات بسبب الاضطهاد الفكري او الديني حتى وان كانت دولهم مستقرة. وتسعى سياسات دول مثل الولايات المتحدة أساسا الى قبول لجوء الكفاءات او اصحاب الفكر او الشخصيات السياسية او الثقافية بينما تتعاطف كندا مع حالات اللجوء الانساني[15]. أما دول اخرى أغلبها أوروبية فتتضامن مع طالبي اللجوء التي تعاني دولهم من حروب مثل السوريين والعراقيين، اذ سجلت ألمانيا على سبيل المثال أكبر عدد لاجئين من هذين الجنسيتين.
الاضطهاد ومحدودية الحريات السياسية والفردية اهم دوافع العرب للجوء
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي الى اليوم لاتزال دول كثيرة تشهد نزاعا مسلحا سبّب حالة تشرد واسع النطاق للمدنيين بسبب ارتفاع المخاطر التي تتهدد حياتهم خصوصا في مناطق الصراع كسوريا والعراق واليمن. كما تعرف أغلب دول الربيع العربي كتونس وليبيا ومصر حالة من التوتر لأسباب مختلفة بعضها اجتماعي واقتصادي والبعض الآخر متعلق بحالة زيادة القيود على الحريات لبعض التيارات أو المجموعات ذات التوجهات السياسية أو الدينية التي تواجه حالات اضطهاد كما صنفتها تقارير دولية حقوقية.
حالات عدم الأمان في مناطق الحروب والاضطهاد بسبب العرقيات أو الطائفية أو الانتماء لتيارات سياسية أو دينية بالإضافة الى القيود على الحريات الفردية مثلت أكثر حالات تبرير طلبات اللجوء.
وعلى الرغم من انتهاء النزاع المسلح في العراق وتقلص مناطق الصراع في سوريا، يُقبل العراقيون والسوريون بكثرة مقارنة ببقية العرب على طلب اللجوء. فدافع عدم الامان والتهديد على الحياة في ظل استقرار هش وانتشار غير مسبوق للسلاح بين ايدي المدنيين العراقيين والسوريين وتماما مثل حالة اليمنيين والليبيين والسودانيين يدفع بعشرات الالاف الى طلب اللجوء بحثا عن الامان وخصوصا الاقليات العرقية أو الدينية على سبيل المثال الأيزيديين والمسيحيين والاكراد في العراق وسوريا.
ومع استمرار تدهور حالة الأمن توازيا مع استمرار حالات الطوارئ في العراق وسوريا على سبيل المثال، لا تزال بيئة الأمن والحماية هشة، مع مخاطر عالية على العراقيين المهجرين والعائدين من النازحين واللاجئين[16]. أما في سوريا فتسجل أكبر أزمة إنسانية وأكبر عد لاجئين في العالم اليوم. اذ أن ما يقارب من أكثر من 6.15 مليون شخص نزحوا داخليا، وتم تسجيل أكثر من 5.1 مليون لاجئ سوري في مصر والعراق والأردن ولبنان وتركيا. و لايزال الكثيرون من النازحين داخليا يعيشون في ظروف غير مستقرة وهو ما دفع كثير منهم لطلب اللجوء من اجل الحاجة إلى الحماية، ولا سيما في خضم انتشار حالة انعدام الأمن الغذائي والنزاع المستمر.
كما يستضيف اليمن أكثر من 280 الف لاجئ وطالب لجوء، معظمهم من الصومال، والذين يعانون من نزاعات مستمرة، وعدم كفاية الخدمات الأساسية واقتصاد متقلص أضعف بيئة الحماية.
زيادة حالات اللجوء بسبب الاضطهاد الديني أو “اللادين”
في نمو خفي لظاهرة مقلقة في العالم العربي، يتزايد عدد الأشخاص الذين يلتمسون اللجوء على أساس التخلي عن المعتقدات واختيار الحياة (بلا دين) او الإلحاد[17] وخصوصا بين فئة الشباب[18]. ومع ذلك، لا توجد توجيهات شاملة بشأن كيفية التعامل مع حالات الاضطهاد الديني في العالم العربي. وتبدو السلطات العربية اما تنكر او تقلل من الظاهرة او تكون اجراءاتها بطيئة للتكيف مع التغيير.
الاضطهاد الديني او ازدراء الاديان هي أحد أكثر الأسباب شيوعًا للجوء وهي حالات وان كانت محدودة ويعتبرها البعض شاذة الا أنها بدأت تسجل حضورا بين المجتمعات العربية حين يتمرد بعض الشباب لإعلان تحررهم من الاديان، وهذا ما يدفع اغلب الحكومات العربية الى تجريم معلني الالحاد أو منتقدي الاديان بتهمة ازدراء الدين. وسجلت بعض التقارير الدولية[19] أن بعض العرب الذين يتمردون على الدين ويختارون أن يكونوا ملحدين يعانون من الاضطهاد ما يدفعهم الى طلب اللجوء.
وأشارت دراسات الى زيادة الأشخاص الذين يتقدمون بطلب اللجوء الى ألمانيا أو في أي مكان آخر في أوروبا بسبب الإلحاد. وهناك مطالب من عدد من الجمعيات في أوروبا لتغيير قوانين تسمح للملحد بسهولة اللجوء الى بلد مضمون لا يجرم الالحاد. ويكشف التقرير أن أغلب الحكومات العربية حتى تلك التي لا تجرم الالحاد تمارس نوعا من أنواع الاضطهاد ولا تراعي حقوق الإنسان الأساسية.
ويبدو واضحا اهمية التفكير في حلول عاجلة وثقافية للحد من تنامي ظاهرة الالحاد مع التأكيد على عدم جدوى ممارسة سياسات امنية وقمعية فقط لردع هؤلاء عن اللجوء بل هناك ضرورة ملحة لتوعيتهم من أجل عدم دفعهم دفعا لإستقطابهم من الخارج.
المصدر :أبحاث CSR معتمدة على احصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2017