لقراءة التاريخ ومعرفة تفاصيله أسس لا يمكن الاستغناء عنها أبرزها الرجوع إلى المخطوطات والوثائق والمراسلات والاستدلال بها باعتبارها المرجع الرئيس والأول والموثوق به.
وقديما سجلت العديد من الوثائق والمخطوطات والسندات المالية والبرقيات وقوائم الشراء في الكويت على ورق يحتوي على طباعة شعار غير بارز يسمى ب(العلامة المائية الورقية) ويرمز له بكلمة (بريتانيا) أو Britannia.
وحول هذا الموضوع قالت الباحثة شيخة سعيدان في دراسة نشرتها مجلة (رسالة الكويت) الصادرة عن مركز البحوث والدراسات الكويتية في عددها رقم 54 لشهر أبريل 2016 إن “العلامة المائية هي علامة تعريف تضغط في الورق عند صناعته وقد تكون تلك العلامة رسما معينا أو حروفا أو أرقاما يمكن رؤيتها عند عرض الورقة أمام الضوء”.
وأضافت سعيدان في دراستها أن العلامة المائية تعد أحد الأسس التي تمد الباحثين والمعنيين بمعلومات قيمة عن العصر الذي أنتج فيه الورق المستخدم في تدوين هذه الوثائق.
وأوضحت أن (العلامات المائية) لم تظهر على المواد الأولية التي استخدمت في الكتابة والتدوين قديما مثل الحرير أو ورق (البردي) أو (المهارق) أي الورق المشمع المصنوع من نسيج الحرير الأبيض.
وذكرت أن هذه العلامة لم تظهر كذلك على (الرقوق) أي الجلد الرقيق الذي يكتب عليه أو غيرها مما كان يستخدم للتدوين والكتابة لافتة إلى أن التتبع التاريخي لمواد الكتابة وصناعة الورق يفيد بأن ظهورها كان بعد قرون عدة من بدء استخدام الورق في الكتابة.
وأشارت الى أن العرب أكدوا أن اول ظهور للعلامات المائية كان في وثائقهم إذ ظهرت هذه الخطوط في الوثائق الإسلامية في آواخر القرن السابع للهجرة – 690 هجري الموافق 1291 ميلادي – وازداد ظهورها في القرن الثامن الهجري فقلدها صناع الورق الأوروبيون وأضافوا علاماتهم المائية الخاصة.
أما في الكويت فقد أكدت الباحثة سعيدان أن “أهل الكويت حرصوا منذ نشأة المجتمع المدني على تدوين وكتابة أمورهم العملية والحياتية حتى أصبح لدينا أرشيف متنوع من الرسائل الشخصية والرسائل التجارية والسندات المالية والحوالات والبرقيات وسندات البيع والشراء والعقود وحتى قوائم الشراء اليومية والشهرية”.
وأضافت أنه من “اللافت للانتباه وجود الورق أو (القراطيس) كما تسمى باللهجة المحلية ضمن السلع أو الاحتياجات الأساسية التي كانت تحرص على شرائها بعض الأسر الكويتية وهو ما ورد في سجلات ودفاتر بعض الأسر المعروفة ولا زالت موجودة حتى الآن شاهد حي على اهتمام الكويتيون بالكتابة والتدوين في السجلات والدفاتر التي تناقلتها الأجيال جيلا بعد آخر”.
وأشارت إلى أنه على الرغم من تنوع الورق المستخدم في الكويت قديما ما بين الورق الهندي والتركي والإيطالي والنرويجي والإنجليزي فإن التدقيق في العلامات المائية لكل نوع يظهر اهتمام بعض أفراد المجتمع بأنواع محددة ومعينة من الورق بخاصة البريطاني الذي كان الأبرز والأكثر استخداما في الوثائق المحلية فوجد في وثائق من عهد الشيخ الراحل مبارك الصباح الحاكم السابع للكويت والشيخ الراحل أحمد الجابر الصباح الحاكم العاشر للكويت.
وذكرت السعيدان أن بريتانيا او Britannia هو اسم العلامة المائية التي كانت تعتبر العلامة الأكثر شهرة واستخداما في الورق الرسمي في الكويت قديما موضحة أن الورق الحامل لهذه العلامة كان بتميز بلونه الأصفر الفاتح ويصنع وفق حجم قياسي متعارف عليه تجاريا.
وبينت أن هذه العلامة المائية كانت عبارة عن رسم لفتاة جالسة تعتمر قبعة مزينة بالزهور وتحمل في يدها رمحا ومحاطة بتاج بيضاوي الشكل ولم يعرف بالتحديد تاريخ تصميمها او استخدامها لأول مرة.
وأشارت إلى أن هذه العلامة قد عرفت في بادىء الأمر باسم (باتريا برو) pro patria وقد استخدمها صناع الورق في هولندا حتى اكتسبت شهرة واسعة في بدايات القرن ال17.
وأضافت أن هذه العلامة المائية انتقلت الى بريطانيا بعد ذلك التي أطلقت عليها بريتانيا Britannia لتدل بشكل مخصوص على المعاملات البريطانية ثم انتقلت طباعتها عام 1818 إلى إيطاليا لتصبح بذلك علامة عالمية تستخدم في العديد من دول العالم لا سيما في الولايات المتحدة.
وأوضحت أن انتقال الصناعة من بلد إلى آخر لم يؤد إلى حدوث فروقات أو تغييرات في التصميم إذ أن العلامة المائية احتفظت بقالبها وشكلها الأصلي ما عدا بعض التغييرات في الاستدارة أو الحجم أو الخطوط او بعض الإضافات الطفيفة التي يضيفها الصناع مثل اسم المصنع أو مكان الصناعة أو سنة الصناعة.
ولفتت إلى أن بعض الخطوط أو النقوش قد ساعدت في قراءة العلامة المائية فتميزت العلامة المطبوعة في بريطانيا بأنها تقرأ من الجهة اليسرى بعكس العلامة المطبوعة في إيطاليا فكانت تقرأ من اليمين.
وذكرت أن استخدام هذه العلامة المائية لم يقتصر على الورق فقط بل استخدمت لا سيما في الدول الأجنبية في دفاتر الكتابة والطوابع البريدية وأوراق البنكنوت والعملات المعدنية واللوحات الفنية.