يتجدد احتفال دولة الكويت عاما بعد عام بذكرى استقلالها ويصادف يوم غد الأربعاء الذكرى ال58 وقد أضحت محط أنظار العالم في دورها المحوري وسعيها الدؤوب في نزع فتيل الأزمات وحل القضايا العالقة إقليميا ودوليا عدا عن ثقلها الكبير في عمليات الإغاثة الإنسانية.
ولم يكن 19 يونيو 1961 يوما عاديا في حياة أهل الكويت عندما تم توقيع وثيقة استقلال البلاد وإلغاء اتفاقية الحماية مع حكومة بريطانيا إذ مثل هذا اليوم انطلاقة خلاقة في عمر الدولة وتحولت إلى (درة الخليج) بفضل جهود حكامها وتلاحم شعبها حول قيادتهم.
وبعد مرور 58 عاما لا يخفى دور الكويت الكبير في تحقيق المصالحات بين الأشقاء وتقديم الدعم والإغاثة للمحتاجين حول العالم ما دعا منظمة الأمم المتحدة الى تسميتها (مركزا للعمل الإنساني) ومنح سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لقب (قائد للعمل الإنساني).
ونجحت الكويت ومن خلال عضويتها الحالية غير الدائمة في مجلس الأمن في إصدار عدة قرارات تحمل طابعا إنسانيا بامتياز تدعو إلى تخفيف معاناة المنكوبين واللاجئين واغاثة المحتاجين وخصوصا الأشقاء السوريين واليمنيين وآخرها القرار الأممي حول المفقودين في النزاعات المسلحة والذي تقدمت به الكويت منفردة وأقره مجلس الأمن بالاجماع.
وكان الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله أدرك أن اتفاقية 23 يناير 1899 التي وقعها الشيخ مبارك الصباح مع بريطانيا في ذلك الوقت لحماية الكويت من الاطماع الخارجية لم تعد صالحة.
وفي 19 يونيو 1961 أعلن الشيخ عبدالله السالم انتهاء معاهدة الحماية البريطانية من خلال توقيع وثيقة استقلال البلاد مع المندوب السامي البريطاني في الخليج العربي السير جورج ميدلتن نيابة عن الحكومة البريطانية.
وعقب التوقيع وجه الشيخ عبدالله السالم كلمة للشعب الكويتي قال فيها “شعبي العزيز.. إخواني وأولادي.. في هذا اليوم الأغر من أيام وطننا المحبوب.. في هذا اليوم الذي ننتقل فيه من مرحلة إلى مرحلة أخرى.. ونطوي مع انبلاج صبحه صفحة من الماضي بكل ما تحمله وما انطوت عليه لنفتح صفحة جديدة تتمثل في هذه الاتفاقية التي نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة”.
وفي عام 1963 صدر مرسوم بدمج العيد الوطني بعيد الجلوس وهو ذكرى تسلم الشيخ عبدالله السالم مقاليد الحكم في البلاد والتي تصادف في 25 فبراير من كل عام.
وسبق التوقيع على وثيقة الاستقلال خطوات مدروسة من قبل الشيخ عبدالله السالم منذ توليه مقاليد الحكم عام 1950 إذ عمل على تحقيق الاستقلال وإعلان الدستور خصوصا أن البلاد كانت في تلك الفترة مهيأة للتطور والنهضة في مختلف المجالات.
وشهد عام الاستقلال صدور مرسوم أميري بشأن العلم الكويتي وهو أول علم يرفع بعد الاستقلال وتم تحديد شكله وألوانه وجاءت الخطوة التالية عقب الاستقلال بتقديم الكويت طلبا للانضمام لجامعة الدول العربية وتم قبول عضويتها في 16 يوليو 1961.
وفي 26 أغسطس 1961 صدر مرسوم أميري في شأن إجراء انتخابات للمجلس التأسيسي تحقيقا لرغبة الشيخ عبدالله السالم بإقامة نظام حكم قائم على أسس واضحة ومتينة وإصدار دستور يستند إلى المبادئ الديمقراطية حيث أنجز المجلس المنتخب مشروع الدستور الذي يتكون من 183 مادة خلال تسعة أشهر.
واتسم دستور الكويت بروح التطور التي تعطي للشعب الكويتي الحلول الديمقراطية للانطلاق في درب النهضة والتقدم والازدهار والذي مكن البلاد من انتهاج حياة ديمقراطية سليمة مستمدة من دستورها المتكامل الذي أقر من قبل مجلس تأسيسي منتخب من الشعب.
وكان عهد الشيخ عبدالله السالم الذي امتد 15 عاما من السنوات البارزة في تاريخ الكويت وأطلق عليه لقب “أبو الاستقلال” و”أبو الدستور” نظرا إلى جهوده المضنية وتضحياته وحكمته لنيل هذا الاستقلال.
وبدأت الكويت في تلك الحقبة بوضع القوانين والأنظمة مثل قانون الجنسية وقانون النقد الكويتي وقانون الجوازات وتنظيم الدوائر الحكومية وكلها خطوات على طريق الاستقلال التام وتم إنجاز نحو 43 قانونا وتشريعا مدنيا وجنائيا.
كما صدر مرسوم أميري بتنظيم القضاء وجعله شاملا لجميع الاختصاصات القضائية في النزاعات التي تقع في البلاد بعد أن كانت بعض القضايا تنظر أمام هيئات غير كويتية.
ونالت الكويت عضوية العديد من المؤسسات الدولية منها المنظمة الاستشارية البحرية والاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية وبعد ذلك نالت عضوية الاتحاد البريدي العالمي ومنظمتي الصحة العالمية والأغذية والزراعة (فاو).
وانضمت الكويت أيضا إلى منظمتي الأمم المتحدة للتعليم والبحث العلمي والثقافة (يونسكو) والدول المصدرة للبترول (أوبك) ولم تكن الكويت في ذلك الوقت بعيدة عن التفاعل والمشاركة في العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية العربية.
وكانت البلاد زاخرة بالعديد من الإدارات المنظمة جيدا والمهيأة على مستوى البنية الهيكلية لمزيد من التوسع والتطوير كإدارات الأشغال العامة والصحة العامة والمطبوعات والنشر وأملاك الدولة المالية اضافة إلى المعارف والبلدية والبريد والبرق والهاتف والكهرباء والماء والغاز والشؤون الاجتماعية والأوقاف العامة والإذاعة والتلفزيون.
وشهدت السنوات التي أعقبت الاستقلال العديد من الإنجازات فعلى الصعيد الدبلوماسي جاءت الخطوة الأولى بإنشاء وزارة الخارجية إذ صدر مرسوم أميري في 19 أغسطس 1961 يقضي بإنشاء دائرة للخارجية تختص دون غيرها بالقيام بالشؤون الخارجية للدولة.
ونص المرسوم في مادته الثانية على دمج سكرتارية حكومة الكويت بدائرة الخارجية التي تحولت في أول تشكيل وزاري إلى وزارة الخارجية وبعد صدور مرسوم إنشاء الدائرة صدر مرسوم أميري بتعيين أول رئيس للخارجية عقب الاستقلال وهو الشيخ صباح السالم وذلك في عام 1961.
وفي عام 1962 عين الشيخ صباح السالم وزيرا للخارجية في أول تشكيل وزاري وأعقبه سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في التشكيل الوزاري الثاني عام 1963.
وعلى المستوى الدولي بدأ مجلس الأمن الدولي النظر في طلب الكويت الانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة بعد استقلالها إلى أن نالت الكويت عضويتها في 14 مايو 1963.
وسارت الكويت بخطى ثابتة تجاه النظام العالمي الجديد والشرعية الدولية برفض العدوان وحماية حقوق الإنسان والمحافظة على خصوصية الدول وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى كما آمنت بدور الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين.
واستضافت الكويت عددا من المؤتمرات الدولية لدعم اللاجئين والمنكوبين كما شارك سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في مؤتمرات عدة لدعم القضية الفلسطينية ونزع فتيل الأزمات في المنطقة ما يشكل دليلا واضحا على استمرار النهج القديم الذي أسست عليه الدولة.
ومنذ فجر الاستقلال وعلى مدى 58 عاما أنجزت الكويت الكثير على طريق النهضة الشاملة بتعاون أبنائها والتفافهم حول القيادة الحكيمة لسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد وسط جهود كبيرة نحو تحقيق غد مشرق لأبنائها.