إن كنت تعتقد أن الطقس لا يؤثر في المزاج … قِف ساعة في الصيف تحت الشمس في نهار الكويت وستغير رأيك حينها ، أو لتقرأ هذا المقال ….
الطقس والمزاج ليس ابتكار الطب الحديث ، فمنذ زمن الاغريق وكان أبقراط يتحدث عن الشتاء والحزن ، والربيع والسعادة ، وجاء العلم ليشرح الأمر بدقة .
إن العوامل الجوية لها انعكاس مباشر على أداء العقل البشري ، ولها تأثير حاد على النواقل العصبية وعلى رأسها السيروتونين – والذي يُسمى بهرمون السعادة – وهو الهرمون المسؤول عن استقرار المزاج والمرتبط نقصه بالقلق والاكتئاب .
تعمل أشعة الشمس المعتدلة والطقس اللطيف على زيادة نسبة السيروتونين ،مما يساهم في تحسين مزاج الإنسان والشعور بالهدوء والتركيز ، لذلك تشير بعض الدراسات أن سكان المناطق الجبلية الباردة في بعض بلدان شمال الأرض والتي لا تغيب عنهم الشمس لفترات طويلة يتمتعون بنسب اكتئاب قليلة .
بل يعتقد عالم النفس الفرنسي نيكولاس غيغان أن أشعة الشمس المعتدلة تزيد من الرومنسية أيضاً ، إذ أجرى دراسة في عام 2013 ، فأحضر شاباً شديد الوسامة ، وطلب منه أن يقترب من الفتيات اللاتي يمشين لوحدهن ، ويطلب منهم رقم هواتفهن ويقول لهن : أريد فقط أن أقول إنني أعتقد أنك جميلة حقاً ، سأتصل بك لاحقاً ويمكننا تناول مشروب معاً في مكان ما .
حقق الشاب الوسيم نسبة نجاح بلغت 22٪ في الأيام المشمسة ، و14٪ فقط في الأيام الغائمة .
أما في درجات الحرارة العليا ولهيب الصيف فإن نسبة السيروتونين تنقص في الجسم ، مما يعكر صفو المزاج ويثير اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب ، ويُبعثر قدرتنا على التحكم في ثورات الغضب ، ويُبخر مستوى الإرادة .
ونشرت الدكتورة ايمي غوردن Amie Gordon دراسة تقول إن معدلات الاكتئاب والحزن بين عامة الناس في هولندا هي الأعلى في الصيف والخريف ، ويصبح مزاجهم أكثر إيجابية في طقس الربيع .
كما توصل باحثون في جامعة “نورث ويسترن” في بنسلفانيا إلى أن الأشخاص تحت درجات الحرارة العالية في فصل الصيف يصبحون أقل استعداداً وقابلية للتعاون مع الآخرين .
وليت الأمر يقف عند هذا الحد ، ولكن كثير من الأبحاث تربط بين ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع معدل الجريمة ، ففي الصيف الماضي (2018) أجرى باحثون بالتعاون مع الشرطة المحلية دراسة إحصائية في بريطانيا ، فرأوا أن معدل الجريمة يرتفع بنسبة 14% عندما ترتفع درجة الحرارة عن 20 C بغض النظر عن فصول السنة .
(معدل الجريمة )
وإن كنت تعتقد أن الحر أكثر الأحوال الجوية تأثيراً على المزاج ، فتعال وانظر ماذا تفعل الرطوبة .
في دراسة أجريت عام 1980 على تأثير الطقس على المزاج درس الباحثون تأثير الحر والرطوبة وهطول الأمطار والضغط الجوي وغياب الشمس الطويل ، فكانت الرطوبة هي أكثر الأحوال تأثيراً على المزاج – ليست الأكثر حدة –.
فكان المشاركون أقل قدرة على التركيز أثناء الرطوبة ، وأكثر شعوراً بالنعاس ، وأسرع تعباً وأقل قابلية للعمل أو أداء أي نشاط آخر ، بينما كان المشاركون أكثر لطفاً عند انخفاض نِسب الرطوبة ، وأكثر تركيزاً ونشاطاً .
والآن … ونحن في صيف الكويت الذي يصهر رؤوسنا ، ويُخفِّض السيروتونين في أجسامنا ، وعما قريب ستطرق الرطوبة أبوابنا … ما الحل لننقذ هذا المزاج المحتضر بسبب الطقس ؟
مما لا شك فيه أن باب الطائرة هو باب السعادة ، وخير ما يسعف المزاج هو إجازة إلى بعض المناطق الباردة للاستمتاع بعذوبة الطقس هناك ، أضف لذلك أن هنالك عدة أطعمة تحتوي على نِسب جيدة من السيروتونين ، والتي تعوض النقص الذي يفرضه الطقس .
ومن تلك الأطعمة عين الجمل (الجوز) ، والأناناس والخوخ ، والموز والطماطم ، والكاكاو والشوكولاتة ، ولكن يبقى سيد السيروتونين هو الآيس كريم البارد ، وبالأخص آيس كريم الشوكولاتة ، فلا تبخل على دماغك ببعض السعادة في حر الصيف ، فلن تجد مع هذا الحر من يُطيق غضبك .