الخوف، أن نصل إلى مرحلة يكون لدينا فيها طابوران لانتظار الرعاية السكنية، الأول خاص بمقدمي الطلبات الإسكانية والثاني خاص بمن حصل على تخصيص دون الحصول على السكن فعلياً.
احتفى بيان مجلس الوزراء الأخير بعدد الوحدات السكنية التي تم توزيعها خلال السنة المالية الحالية، والتي بلغ عددها 12030 وحدة، وهو ما اعتبره رقماً قياسياً في توزيع الوحدات مقارنة بالسنوات الماضية.
وفي الحقيقة، فإن أقل ما يوصف به بيان مجلس الوزراء في هذا الشأن، أنه مبالغة فجة، لأن الحديث عن توزيع أكثر من 12 ألف وحدة سكنية خلال عام واحد، يكتنفه قدر عال من التضليل إذا علمنا أن العدد الحقيقي للوحدات السكنية الموزعة فعلاً خلال العام الحالي لا يتجاوز 1500 وحدة سكنية «أي 12.5 في المئة من إجمالي ما تم تخصيصه على الورق»، في حين تم توزيع بطاقات تخصيص للمتبقين من طالبي السكن مع وعود بالتسليم بالسنوات المقبلة، مع العلم أن نسبة توزيع طلبات التخصيص «على الورق» في السنتين المقبلتين ستشكل تقريباً كل الـ 12 ألف طلب المقررة سنوياً المتوقع أن تكون في المطلاع.
وربما يتساءل المتسائلون، ما الضرر في أن يتم توزيع بطاقات التخصيص على طالبي السكن لتسريع وتيرة الإنجاز وتلبية الطلبات الإسكانية ؟
الضرر هنا يتمثل في عدم دقة المعلومات التي تقدمها الدولة للناس، فإذا علمنا أن الحكومة التي تحتفي اليوم بما اعتبرته توزيع أكثر من 12 ألف وحدة سكنية، هي ذاتها التي اعتمدت في خطة التنمية توزيع 5760 وحدة سكنية سنوياً، فهنا نتحدث عن قصور بنحو 52 في المئة سنوياً، ما بين رقمين أصدرتهما الحكومة وتبنتهما معاً!
وهنا، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار، أن متوسط الطلبات الإسكانية الجديدة – وفقاً للسنوات السابقة – تتراوح ما بين 8 و 10 آلاف طلب إسكاني جديد، ما يعني أن عبء التنفيذ يتصاعد على متخذي القرار عاماً تلو الآخر. ناهيك عن أن الحاصلين على طلبات التخصيص، لن يكون بوسعهم تسلّم المنازل والقسائم قبل الانتهاء من إزالة العوائق والمخلفات في الأراضي الجديدة، والتنسيق مع جهات حكومية كوزارة الدفاع والهيئة العامة للزراعة وبلدية الكويت، ثم طرح مناقصة البنية التحتية للشركات وهذه خطوات تحتاج إلى ما بين 4 إلى 5 سنوات على الأقل، وهنا تكون الأمور عرضة للبيروقراطية وتأخير التنفيذ، ما يفتح المجال أمام تأخير في مشاريع يفترض أنها لا تحتمل التأجيل.
طابوران
الخشية، أن نصل إلى مرحلة يصبح لدينا فيها طابوران للانتظار للرعاية السكنية، الأول خاص بمقدمي الطلبات الإسكانية والثاني خاص بمن حصل على تخصيص دون الحصول على السكن فعلياً.
ومع أن التفاؤل مطلوب، لكن لا يمكن الحديث عن المدة الزمنية لإنشاء وبناء المشاريع السكنية، دون استذكار التجارب السابقة في بطء التنفيذ أو البيروقراطية التي تخبرنا مثلاً بأن مشروع «المطار الجديد» الذي كان يفترض الانتهاء من تنفيذه عام 2016، ولا يزال حائراً ما بين اللجان والأجهزة الحكومية، وجامعة «الشدادية» المقرر إنجاز مشاريعها عام 2020، رغم أنها مشروع معد منذ ثمانينيات القرن الماضي، فضلاً عن تأخر مشاريع لم تبدأ حتى الآن رغم إقرارها منذ سنوات، كمشروع تطوير جزيرة فيلكا، أو مشاريع بطيئة التنفيذ مثل «ميناء مبارك الكبير» في جزيرة بوبيان الذي مضى عليه أكثر من 10 سنوات ولم تكتمل المرحلة الأولى منه حتى الآن.
ولعلنا لا ننسى أن الإدارة التي تحتفي اليوم بما اعتبرته إنجازاً في حل الأزمة الإسكانية هي ذاتها التي كانت تفتخر بعملها في خطة التنمية لتعود لاحقاً وتعلن الفشل في التنفيذ والعمل.
ما نحتاجه اليوم، هو ألا نسمح بأن تكون القضية الإسكانية أمام أي احتمال للفشل أو بيع الوهم للناس، الأمر الذي يستدعي أن تتعاطى الدولة مع الملف بقدر أكبر من الجدية، فإنشاء 111 ألف وحدة سكنية، أي إجمالي عدد الطلبات الإسكانية الحالية، مقابل إنشاء 140 ألف وحدة سكنية منذ الاستقلال إلى اليوم، يعني أننا أمام «كويت جديدة»، وأن حجم الأزمة الإسكانية، لا يمكن حله وفق جداول التوزيع على الورق فقط.
الكهرباء
أزمة بهذا الحجم تستوجب التفكير بطريقة مختلفة، فمثلاً إنتاج الكويت من الكهرباء حسب ميزانية 2014 -2015 يوازي 14 ألف ميغاوات بكلفة عالية على الميزانية تصل الى 2.4 مليار دينار كويتي، بما يعادل استهلاك 10 في المئة من إنتاج النفط، لذا فسنحتاج إلى 14 ألف ميغاوات جديدة، أي نصل إلى 28 ألف ميغاوات، لنتمكن من توفير الطاقة الكهربائية لنحو 111 ألف وحدة سكنية، وهنا من المحتمل أن تصل فاتورة الكهرباء وحدها عام 2030 إلى 9 مليارات دينار، بما يوازي 20 في المئة من إنتاج النفط في تلك السنة، وسط معدل نمو سنوي يبلغ 8 في المئة باستهلاك الطاقة الكهربائية.
فالمعضلة هنا، ليست فقط في الانتاج الكهربائي، بل أيضاً في كلفته في وقت تراجع فيه الدولة مصروفاتها وإنفاقها طبقاً للمتغيرات الجديدة في سوق النفط، وما يترتب عليه من إيرادات، وهذا يتطلب تغييراً في كثير من الأوضاع الحالية، أقلها إعادة هيكلة الأسعار الحالية التي تساوي أصحاب المنازل بملاك المجمعات التجارية، فضلاً عن وجوب إدخال الطاقة الشمسية والبديلة في أعمال إنشاء المدن الجديدة.
منافسة ومشاريع
حل الأزمة الإسكانية يتطلب فتح المجال أمام المنافسة بين شركات المقاولات، حتى إن تطلب الأمر تعديل قانون المناقصات لضمان المنافسة وسرعة التنفيذ، بل وتغيير النمط من مناقصات تقليدية إلى طرح المدن بنظام «BOT» أو الشراكة «PPP» ليكون لدينا أكثر من نموذج إسكاني، ويكون دور القطاع الخاص هنا استثمارياً وليس مضاربياً.
ولتغطية الوحدات السكنية الجديدة، والتحكم في أسعارها من الارتفاع، يجب فتح مجال التنافسية في سوق المواد الإنشائية وإعطاء رخص أكثر للاستيراد، كذلك لا بد من إنشاء مدن للعمال بشكل سريع باعتبار أن العمالة وأسعارها جزء أساسي من الأزمة، وتطبيق الضريبة العقارية على الشركات والمضاربين المستحوذين على السكن الخاص، ناهيك عن إصدار بنك التسليف سندات تمويل لتغطية المبالغ التي تحتاجها الوحدات السكنية الجديدة وإصدار قانون للرهن العقاري.
لا بد من الاعتراف بأن بناء 111 ألف وحدة سكنية بشكل أفقي يعتبر صعباً جداً، لذلك تجب إعادة طرح العديد من الأفكار كالشقق والمساكن الصغيرة Townhouse لمن يرغب في أن يحصل على الرعاية السكنية بوقت أسرع، ولذلك كلما طرحت بدائل أكثر كان الخيار مفتوحاً أمام تسريع وتيرة الطلبات المكدسة بشكل فعلي لا ورقي.
القضية الإسكانية، أكثر القضايا الخدمية أهمية في الكويت حالياً، وهي مرتبطة بمجموعة قضايا وملفات اقتصادية واجتماعية، والفشل في حلها أو بيع الوهم للناس لشراء بعض الوقت، لن يكون مفيداً لأحد، خصوصاً في ظل تعاظم الأزمة وإرهاقها المتنامي للأسر في الكويت.