يلاحق الاستيطان الإسرائيلي الحياة في قرى (نحالين) و(حوسان) و(وادي فوكين) غرب مدينة بيت لحم مشكلا حزاما يزحف حولها ناهبا الأرض دون ضجيج في اطار مخطط لتوسيع حدود القدس عبر إقامة المزيد من المستوطنات وشق شوارع ضخمة وانفاق خارج الخط الأخضر.
وتبدو مستوطنة (بيتار عليت) التي تعتبر من كبرى المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية من قمة جبل مقابل في قرية (نحالين) تبتلع الأرض ولا يفصلها عن بيوتها سوى أمتار قليلة.
وبعد الهبوط الى البلدة من طريق زراعي يمنع على الأهالي تأهيلها كونها تقع في المنطقة المصنفة (ج) الخاضعة لسيطرة الاحتلال الاسرائيلي تظهر المستوطنة ببنائها الحديث أقرب الى القرية التي لم تعد أشجار الزيتون واللوز تظللها كما كانت قبل إقامة هذه المستوطنة.
وفي هذا الصدد قال علي غياظة الذي عمل قبل تقاعده وكيلا مساعدا لوزارة الزراعة في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس “لم يتركوا لنا متنفسا انهم يخنقوننا فقد كان مكان المستوطنة أراضي زراعية واشجارا ومراعي للأغنام”.
واضاف غياظة “لا توجد إمكانية للتوسع الزراعي والرعوي وهذا أثر على الامن الغذائي في البلدة التي يعمل سكانها بالزراعة”.
واشار الى ان التوسع العمراني في البلدة أصبح رأسيا بدلا من الافقي لان الاحتلال يمنع الأهالي من البناء.
واوضح غياظة ان “معظم أراضي (نحالين) الزراعية تقع في المنطقة (ج) ويمنعنا الاحتلال من البناء فيها”.
من جانبه قدم رئيس بلدية (نحالين) صبحي زيدان اثناء مرافقته عددا من الصحفيين ضمن جولة نظمتها وزارة الاعلام الفلسطينية الى المنطقة للتعرف على ما تعانيه جراء الاستيطان شرحا عن وضع القرية قائلا ان “مساحة (نحالين) التاريخية كانت تبلغ 24 ألف دونم استولى الاحتلال على نصفها”.
واضاف زيدان “لم يتبق سوى 12 ألف دونم والقرية محاطة بسبع مستوطنات من كل اتجاه غير الطرق الالتفافية التي يستخدمها المستوطنون وتربط عددا من المستوطنات”.” وبين ان اراضي القرية تقع بين منطقتي (ب) المسؤولة عنها السلطة إداريا وخاضعة لسيطرة إسرائيل الامنية و(ج) الخاضعة للسيطرة الكاملة لإسرائيل حسب اتفاق (أوسلو) للسلام بين منظمة التحرير وإسرائيل.
وذكر زيدان في تصريح ل(كونا) ان مستوطنة (بيتار عيليت) يسكنها 60 ألف مستوطن مقابل 10 الاف نسمة هم سكان (نحالين)”.
واضاف “تمنعنا سلطات الاحتلال من شق الطرق الزراعية وتأهيل ما هو موجود وتغلق الطرق الزراعية وتمنعنا من ادخال المعدات الثقيلة للعمل في الأرض حيث يصادرها الاحتلال ونلجأ الى الوسائل البدائية للحرث باستخدام الدواب”.
واشار الى ان المخطط الإسرائيلي يوضح “بناء ما يسمى (القدس الكبرى) ويشمل القدس الغربية والشرقية تمتد حتى مستوطنة (غوش عتصيون) و(افرات) و(بيتار عيليت) من الجهة الجنوبية”.
وقال ان “نحالين تتكون من 2250 بيتا نسبة 35 في المئة منها في مناطق (ج) ومهددة بالهدم وهذه السياسة منعت التوسع الافقي للقرية فلذلك تبدو القرية وكأنها سقف واحد بيوتها متلاصقة بسبب منع البناء وإخطارات الهدم”.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وضع العام الماضي حجر الأساس لبناء 1100 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة (بيتار عيليت) وأغلقت قوات الاحتلال حينها القرى التي تقع غرب بيت لحم.
وتقع نحالين في الجنوب الغربي لمدينة بيت لحم على الخط الامامي للأراضي المحتلة عام 48 وهي أقرب نقطة تماس مع الأرضي المحتلة عام 48.
وفي الطريق بين (نحالين) وقرية (وادي فوكين) تختفي الحدود الطبيعية ليحل الاستيطان كحدود مصطنعة فلم يتبق ل(وادي فوكين) غير 250 دونما من مساحة كانت تبلغ حوالي 1200 دونم.
ويستهدف الاستيطان اراضي (وادي فوكين) كغيرها من القرى والبلدات التي تقع مباشرة على خط الهدنة الذي يفصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 و1967 بحجج “الامن” وتواجه هجمة استيطانية تهدد مستقبلها كما يقول أهلها الذين تم تهجيرهم عام 1967 الى (مخيم الدهيشة) جنوب بيت لحم وعادوا اليها عام 1972 ويبتلع الاستيطان غالبية أراضيها.
من ناحيته قال الناشط الإعلامي والمزارع محمد المناصرة للصحفيين ان “اهم التحديات التي تواجهنا الان هي عدم معرفة مصير القرية في حال نفذت إسرائيل مؤامرتها بضم المستوطنات المقامة على أراضينا الى القدس كيف سيكون مستقبل وحال أهالي القرية”.
واشار الى استهداف القرية التي يبلغ عدد سكانها 1300 نسمة قائلا ان “المياه لم تسلم من سطوة الاحتلال فقد حفروا الابار في المستوطنات وسيطروا على الينابيع ..واراضينا الزراعية بلا ماء وبيوتنا غير مرخصة وتكاليف الترخيص مرتفعة ولا نستطيع تحملها”.
واوضح ان المستوطنين يعتدون على البيوت البلاستيكية الزراعية ويخربون انابيب مياه الري قائلا ” نحن محاصرون من كل الاتجاهات وكل ذلك لترحيلنا لكننا سنبقى صامدين على ارضنا مهما بلغت ممارسات الجيش والمستوطنين”.
اما رامي حمامرة من مجلس قرية (حوسان) فقد تحدث عن وضع القرية قائلا إن أراضيها مستهدفة منذ عام 1979 حينها وضع الاحتلال بيوتا متنقلة وكانت مقدمة لبناء مستوطنة (بيتار عيليت).
وأضاف حمامرة للصحفيين أن الاحتلال مارس كافة اشكال الظلم والاستبداد من قتل ومصادرة أراض وتشريد.
وتفيد الإحصاءات الرسمية أن الاحتلال صادر نحو 42 في المئة من المساحة الكلية للقرية وتبع ذلك مصادرة 50 دونما لبناء مستوطنة (هدار بيتار) وشق طريق التفافي بهدف ربط مستوطنتي (بيتار عيليت) و(هدار بيتار) بالمستوطنات الواقعة في تجمع (غوش عتصيون) والمستوطنات داخل القدس.
ورغم ان المستوطنات المحيطة بالقرى التي تقع غرب بيت لحم تبدو عشوائية ومبعثرة على قمم الجبال فانها تشكل الحدود الجنوبية لمخطط (القدس الكبرى) وتمتد حدوده من رام الله شمالا الى بيت لحم جنوبا ويصل الى مدينة اريحا شرقا.
وكان المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان ذكر في تقرير سابق أن مخطط (القدس الكبرى) يهدف لجعل حدود منطقة القدس الحضرية أكثر من 600 كيلومتر مربع أي حوالي 10 في المئة من مساحة الضفة الغربية ما يشكل حاجزا بين جنوب الضفة وشمالها.
واضاف المكتب الوطني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية أنه رغم سياسات التطهير العرقي فان الفلسطينيين يشكلون ما نسبته 37 في المئة من اجمالي سكان القدس مشيرا الى مخطط يخرج نحو 100 ألف فلسطيني من حدود البلدية يسكنون في (مخيم شعفاط) و(كفر عقب) و(سمير اميس) مقابل ادخال 150 ألف مستوطن.
كما اشار الى ان سلطات الاحتلال تهدف الى تحويل الفلسطينيين في القدس الى اقلية لا تزيد على 15 في المئة من السكان ومحدودة التأثير.
وعلى الصعيد السياسي فان مخطط (القدس الكبرى) يقضي على أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا وعاصمتها القدس.