مع دخول قانون التأمينات الاجتماعية بشأن التقاعد المبكر الاختياري الجديد حيز التنفيذ مطلع أبريل الماضي ثمة تحديات يواجهها تتعلق أولا بالتباين حيال مزاياه التشجيعية للراغبين في التقاعد المكبر وثانيا تحديات تتعلق بسوق العمل ذاته وما يفرزه القانون من تراكمات ذات صلة.
وسمح القانون الذي تم إقراره من مجلس الأمة الكويتي في 30 يناير الماضي خلال دور انعقاده الثانية من فصله التشريعي ال 15 بالتقاعد الاختياري المبكر لمن أكمل 30 سنة من الرجال و25 سنة للمرأة قبل الأول من يناير 2020 دون شرط السن وفق ضوابط معينة.
والمراد من القانون منح مزايا تنطلق من نظام التكافل الاجتماعي خصوصا أن المؤمن عليه هو من يختار التقاعد المبكر وهناك من يرى أنه يخلق فرص عمل ويساوي بين المرأة المتزوجة وغير المتزوجة كما يؤمن بديلا كبيرا للمتقاعدين عن الاقتراض من البنوك.
في المقابل ثمة تحديات مرتبطة بسوق العمل ذاته ففي حين هناك دول ترفع سن التقاعد لديها إلى ما فوق 65 عاما فإن قانون التقاعد المبكر في الكويت يشجع على خفضه ما يخلق بالتالي إشكالية تتعلق بسوق العمل ذاته ومدى علاقة ذلك باختيار المواطن للتوظيف بين القطاعين الحكومي والخاص.
وهناك أيضا آراء تتحدث عن عقبات أمام برامج التقاعد وعجوزات في مواردها في حال زيادة أعداد المتقاعدين غير المدروسة بالتالي الضغط على الموازنة العامة عدا عن أن الراتب التقاعدي بحد ذاته ربما يعني تراجع دخل الأسرة مما قد تكون له آثار عكسية ماديا ونفسيا.
كما أن هناك تحديات تتعلق بزيادة العبء على الجهات المعنية في مواجهة التحديات الهيكلية في سوق العمل لناحية تزايد أعداد الكويتيين الباحثين عن العمل ومدى القدرة على خلق فرص جديدة والحيلولة دون حدوث خلل هيكلي في سوق العمل.
ووفق ما أفادت به المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في بيان لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الثلاثاء فإن قانون التقاعد الجديد حمل مزايا عدة أبرزها أحقية المتقاعد في التقدم بطلب لصرف صافي سبعة معاشات مقدما لمرة واحدة.
وقالت المؤسسة إن عدد المتقدمين للحصول على هذه الميزة من المتقاعدين ككل في الفترة من الأول من أبريل حتى نهاية يونيو الماضي بلغ 35583 مواطنا في حين بلغ عدد المستفيدين من قانون التقاعد المبكر الاختياري الذي يمنح مزايا تنطلق من نظام التكافل الاجتماعي منذ تطبيقه في الأول من أبريل حتى نهاية يونيو الماضي نحو 1485 موظفا منهم 999 رجلا و486 امرأة.
وأوضحت أن عدد المستفيدين من التعديلات الأخيرة على أحكام الباب الخامس من قانون التأمينات الاجتماعية بلغ حتى نهاية ديسمبر من العام الماضي نحو 15 ألف مؤمن عليهم – هم إجمالي عدد المشتركين في ذلك الباب – مشيرة إلى التوقعات بزيادة عددهم خلال السنوات المقبلة.
وحيال مزايا وتحديات قانون العمل قال أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت الدكتور نايف الشمري ل(كونا) إنه في حين تتجه دول عدة نحو رفع السن القانوني للتقاعد إلى أكثر من 65 عاما فإن القانون الجديد يشجع على خفض السن التقاعدي ولو كان اختياريا بداعي توفير وظائف جديدة بالاقتصاد لاستيعاب الخريجين الجدد في سوق العمل وبالتالي خفض معدل البطالة.
واعتبر الشمري القانون “محاولة لاستبدال موظفين حاليين بموظفين جدد مع بقاء حجم الوظائف ثابتا نسبيا في الاقتصاد بالتالي فهو ليس خلق لوظائف جديدة في الاقتصاد”.
ورأى أن القانون الجديد يقلل مرونة سوق العمل المحلي لاسيما في القطاع الخاص إذ إن تقاعد الموظف في هذا القطاع سيعتمد أساسا على راتبه في آخر سنة مع صعوبة إيجاد بديل له في القطاع ذاته ثم هناك مناقضة للجهود الحكومية الرامية إلى تشجيع فرص العمل في القطاع الخاص بالتالي تأخير في تطوير هذ القطاع وخلق فرص عمل.
ولفت إلى أن التغيرات الديمغرافية في أعداد السكان في دول عدة فرضت زيادة أعداد وأعمار المشتركين في برامج التقاعد ما نتج عنه عجوزات في موارد تلك الصناديق التقاعدية بالتالي الضغط على موازنات العامة لتلك الدول ما دفعها لرفع سن التقاعد.
وذكر أنه مع تشابه الظروف بين تلك الدول وبلادنا فإن الكويت دفعت نحو خفض سن التقاعد رغم مقدرة الحكومة على التعامل مع الكلفة المالية للتعديلات في قانون التقاعد الذي سينتج عنه تراجع في دخل الأسرة مما قد تكون له آثار عكسية نفسيا واجتماعيا لأفراد الاسرة بسبب العجز عن تلبية الحاجات المتزايدة.
وأفاد أنه وفق التعديلات الأخيرة في القانون فإن ذلك من شأنه زيادة العبء على الحكومة لمواجهة التحديات الهيكلية في سوق العمل فعلى المدى المتوسط تكمن هذه التحديات في التزايد المستقبلي في أعداد الكويتيين الباحثين عن العمل والذي يتوقع أن يتجاوز عددهم 250 ألف باحث عن العمل خلال عشر سنوات وما يقارب 550 ألفا إلى 600 ألف باحث عن العمل خلال 15 سنة.
وبين الشمري أن التحديات متوسطة المدى وفي إطار محدودية الإمكانات على خلق فرص جديدة في الاقتصاد والتأخير في عملية إصلاح الفجوة بين القطاعين العام والخاص ستؤدي إلى خلل هيكلي في سوق العمل.
وفي شأن التحديات بعيدة المدى رأى أنه على الرغم من سيطرة الشركات التكنولوجية على النظام الاقتصادي العالمي الذي سيترتب عليه خلق وظائف عالية الجودة فإن سوق العمل المحلي يعتمد على خلق وظائف تقليدية مما يتطلب خلق رأسمال بشري لديه مهارات فنية وتقنية عالية وقابلية للابداع والابتكار.