تقف اسبانيا اليوم على مشارف انتخابات عامة جديدة ستكون الرابعة في اربع سنوات بعد فشل اليساريين في التوصل الى اتفاق لتشكيل حكومة ثمرة انتخابات شهر ابريل الماضي التي فاز بها الاشتراكيون للمرة الأولى منذ 11 عاما لكن دون أغلبية كافية.
واجرى الحزب الاشتراكي مع حليفه (اونيداس بوديموس) اليساري يوم الثلاثاء الماضي اخر جلسة مفاوضات انتهت بدون اي جديد وبدون احراز اي تقدم على صعيد تقريب المواقف التي ازدادت تباعدا في جلسة مجلس النواب امس الأربعاء لينذر ذلك بانتخابات جديدة تبشر بسيناريو مشابه لنتائج الانتخابات الأخيرة.
وبعد ان فشل الزعيم الاشتراكي رئيس الوزراء المنتهية ولايته بيدرو سانشيز في حشد الدعم الكافي لتنصيبه لولاية جديدة في 23 سبتمبر الجاري فسيتم حل مجلسي البرلمان في اليوم ذاته وتحديد 10 نوفمبر المقبل موعدا للانتخابات الجديدة.
ومع تبقي أقل من أسبوعين لحسم الأمر لا يبدو الاشتراكيون ولا (بوديموس) على استعداد للتنازل عن موقفيهما وذلك ان سانشيز يعتزم تشكيلة حكومة أحادية اللون بدعم منهجي من (بوديموس) الذي عرض عليه مناصب حكومية رفيعة واتفاقا برنامجيا من 370 تدبير في مختلف المجالات منها عدد كبير من المقترحات الاجتماعية التي قدمها (بوديموس) بنفسه وأخرى ثمرة اجتماعات مع مؤسسات المجتمع المدني.
واقترح سانشيز تشكيل لجان مشتركة لمتابعة تطبيق تلك الإجراءات في مجلس النواب الاسباني ومجلس الشيوخ بمشاركة ممثلين من المجتمع المدني لقاء تقديم (بوديموس) الدعم والاستقرار للحكومة الاشتراكية ولكن دون الحصول على مناصب وزارية.
ورفض زعيم (بوديموس) بابلو اجليسياس العرض مجددا التأكيد على انه يريد حقائب وزارية مع صلاحيات واسعة كشرط أساسي لتقديم الدعم للاشتراكيين وهما موقفان لم يتزحزح الطرفان عنهما منذ اخفاق سانشيز في تنصيبه للمرة الثانية في 22 يوليو الماضي.
وناشدت معظم الأحزاب السياسية الطرفين التوصل إلى اتفاق لتفادي تجرع انتخابات جديدة لا يرغب بها أحد ولن تنجح في تغيير المشهد السياسي وإنما إطالة فترة الجمود السياسي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى موازنة جديدة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية المقبلة لاسيما ان الموازنة التي تعمل بموجبها البلاد لازالت تلك التي وضعها الحزب الشعبي اليميني في 2018. ومهما بلغت التطورات فإن الملك الاسباني فيليبي السادس سيجري وفق ما أكده في بيان له شهر يوليو الماضي جولة مشاورات جديدة مع زعماء الأحزاب السياسية خلال الأسبوع المقبل قبل ترشيح سانشيز مرة جديدة لتولي مهمة تشكيل حكومة.
وتشير استطلاعات الرأي المختلفة التي نشرت نتائجها خلال الأيام الماضية ان الحزبين الاشتراكي والشعبي اليميني سيحصلان على نسبة أكبر من التمثيل البرلمان في انتخابات نوفمبر المقبل لكنهما لن يحققا الأغلبية الكافية للحكم بشكل منفرد في وقت ستتحقق فيه الأحزاب الأخرى تراجعا.
ووفق تلك الاستطلاعات سيحقق الاشتراكيون ما لا يقل عن 9ر31 في المئة من الأصوات مقارنة ب 7ر28 في المئة في ابريل الماضي فيما سيحقق الحزب الشعبي 5ر19 في المئة مقارنة ب7ر16 في المئة في ابريل الماضي في الوقت الذي سيتراجع فيه (بوديموس) إلى 5ر13 في المئة (مقارنة ب3ر14) و(ثيودادنوس) الليبرالي إلى 13 في المئة (نزولا من 9ر15 في المئة) وكذلك (بوكس) اليميني المتطرف من 3ر10 في المئة إلى 4ر8 في المئة.
وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يمكن الثقة كليا بتلك الاستطلاعات ومما لا شك فيه ان اجراء انتخابات جديدة سيمثل خطرا لمن فاز بها في المرة الأخيرة وفرصة جديدة لمن خسرها لاسيما ان الاستطلاعات لا يمكنها التنبؤ بنسبة الناخبين الذين سيمتنعون عن التصويت وهو الأمر الذي سيكون له دورا حاسما في فوز الاشتراكيين من جديد أو تقهقرهم لان الممتنعين والمترددين في إسبانيا هم غالبا من الناخبين اليساريين اضافة إلى ذلك انهم يشعرون اليوم بالإحباط والغضب من ممثليهم السياسيين وقد يقررون معاقبتهم بالامتناع عن التصويت.
ويثق سانشيز بان الانتخابات الجديدة سترجح كفته وتعزز موقفه لتشكيل حكومة مستقبلية في حين يجد اجليسياس نفسه في موقف صعب إذ ان تنازله سيخذل ناخبيه الذين قد لا يجدون جدوى من التصويت له مجددا ما لم يكن له تأثير حقيقي في قرارات الحكومة المقبلة.
كذلك لا يثق زعيم (بوديموس) بالاشتراكيين لتنفيذ التدابير التي اقترحوها ما لم يكن له مناصب وزارية فاعلة تمكنه من تنفيذ المبادرات الاجتماعية والاقتصادية وعليه فإن خوض انتخابات جديدة قد تكون فرصة له للقفز من قعر الزجاجة بالاعتماد على حملة انتخابية قوية لكسب التعاطف على حساب الاشتراكيين وحصد نسبة افضل من الأصوات.
وفي تلك الاثناء تبقى اسبانيا بانتظار الإعلان الرسمي للموت السريري للمفاوضات بين الاشتراكيين و(بوديموس) التي باتت تعكس واقعا مزدوجا فهي من ناحية مفاوضات بلا جدوى لا تعكس سوى الرواية الرسمية للطرفين اللذين يمارسان الضغط المتبادل ليضع الآخر نقطة النهاية لها ويتحمل عواقب ذلك في الانتخابات.
اما الواقع الآخر فهو الواقع الذي يترقبه الجميع وهو حتمية الانتخابات والغضب من المماطلة في مسرحية المفاوضات الفارغة على الرغم من تأكيد الحزبين على عدم الرغبة في خوض انتخابات جديدة.
وفي حال وقعت المفاجأة بتنازل أحد الطرفين فإنه سيتم تحديد يوم 20 سبتمبر الجاري موعدا لبدء جلسة تنصيب سانشيز لتقام جلسة التصويت الأولى في 21 من الشهر نفسه وجلسة التصويت الثانية (إذا لزم الأمر) وعلى ان يتم في 23 الشهر ذاته حل مجلسي البرلمان إذا أخفق سانشيز مجددا في الحصول على الدعم الكافي في مجلس النواب.