من دون ذكر لأسماء بعض الأدباء أو الفنانين المبدعين الذين اختاروا لأنفسهم نهاية بشعة بطرق لا يقدم عليها سوى أناس مضطهدين منبوذين سحقتهم الظروف ماديا ومعنويا، قادهم الجهل لاختيار الموت نهاية مريحة لهم كما «يعتقدون»، او الذين تعددت محاولات الانتحار لديهم، او مارسوا ضد أنفسهم أنواعا من التعذيب النفسي او الجسدي كعقاب وتنكيل على عدم قدرتهم على الوصول الى ما يصبون اليه من أحلام هلامية او من المجتمع الذي لا يفهمهم ويحاربهم كما «يظنون»، والعالم الذي يختنق بالظلم والمعذبين من الأبرياء، ويشعرون بمسؤولياتهم تجاهه وتحميل كاهلهم جزءا من هذا الألم.
ان البحث عن المثل والمثالية التي لا حدود لها والغوص في سحب الخيال الجامحة والاحباط من الواقع والشعور بلوم الذات والانعزال في بوتقة الفكر المتوحد في داخلهم والجنوح الى الأحلام غير الواقعية، خاصة في تصور المدينة الفاضلة كما يرونها، والإنسان المثالي الذي يتصورونه ويتنازعون معه في أنفسهم، كلها تؤدي الى سد اي نافذة يتسرب منها ضوء الأمل.
والشاعر او الفنان او الأديب في تكوينه الخاص الفكري يتعلق أحيانا بصورة رسمها في عقله وكتبها في روايته او رسمها في لوحته او عايشها من خلال دور تمثيلي قام به في احد مسلسلاته او افلامه، يجد صعوبة في الخروج منها عندما ينتهي من التعامل معها لوجود رابط وصلة حب قوية او تعاطف شديد معها، وهذا يتطلب غسيلا فكريا وروحيا للعودة الى الاتزان الداخلي بتكنيك خاص.
ولحساسية هؤلاء المبدعين، فإن هذا الأمر يأخذ في الغالب فترة من التداوي والتشافي ليتحرروا من تلك الشخصية الوهمية التي تعايشوا معها.
وهذا الأمر ايضا ينطبق على من يقضي جلّ وقته في قراءة القصص والروايات والأشعار، فتؤثر على تكوينه الفكري والخيالي بصورة سلبية، وهنا لا أقول انني ضد الشعر او كتابة الرواية او قراءة النصوص التي تكون أحيانا ملاذنا للترفيه الفكري والبعد عن جفاف المدينة، ولكنني عندما بحثت عن موضوع انتحار بعض المبدعين وجدت أنهم لم يتخذوا الاعتدال في «الأمر»!
فالحياة يجب ان تكون هي الأصل والواقع، والخيال هو الرحلة المؤقتة الجميلة التي يمارس فيها الفكر تحليقه بحرية.
فالتوازن مطلوب لدينا كلنا، والْمُثل الموجودة عند شخص ما ليست بالضرورة كالمثل التي أقتنع بها أنا.
والمثالية التي قد نتفق على بعض نقاطها ومعانيها هي في النهاية مختلفة في نظرتنا اليها كأناس مختلفين في أفكارنا وايمانياتنا وعقائدنا.
لذا.. فهي لا توجد الا في المدينة الفاضلة، والمدينة الفاضلة لا وجود لها، لذا فهم ينتحرون على أعتاب نسجوها في أذهانهم.. وصارت الى سراب.