يجدد أهل الكويت غدا الاثنين احتفالهم السنوي بالذكرى ال57 للمصادقة على دستور البلاد ذلك العقد الوثيق بين الحاكم والشعب وصمام الأمان في حماية الحريات وتحقيق العدالة والمساواة.
ففي 11 نوفمبر عام 1962 صادق الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح (أبو الدستور) وهو الحاكم ال11 للبلاد على دستور الكويت الذي يعد الأقدم بمنطقة الخليج العربي وشكل نقلة نوعية نحو بناء دولة حديثة قائمة على مؤسسات دستورية بهدف خلق إدارة عادلة لكيان هذه الدولة تتساوى فيها الحقوق والواجبات.
ويعبر الدستور عن إرادة الحاكم والشعب في العيش معا تحت مظلة الديمقراطية وبناء دولة القانون كما يعد الوثيقة الكبرى التي تحدد نظام الدولة وتنظيم العلاقة ما بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وقبل إقراره خاض الدستور الكويتي مرحلة مخاض إذ تم انتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور للدولة في يناير عام 1962 كما شكل المجلس لجنة لإعداد مشروع الدستور تتألف من خمسة اعضاء مهمتها إعداد دستور ينظم كيان الدولة وينظم السلطات والحريات على أن يتم عرضه على سمو أمير البلاد آنذاك.
وفي الجلسة الافتتاحية للمجلس التأسيسي ألقى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم كلمة قال فيها “باسم الله العلي القدير نفتتح أعمال المجلس التأسيسي الذي تقع على عاتقه مهمة وضع أساس الحكم في المستقبل”.
وأضاف “أختتم كلمتي بالنصح لكم كوالد لأولاده أن تحافظوا على وحدة وجمع الكلمة حتى تؤدوا رسالتكم الجليلة في خدمة هذا الشعب على أكمل وجه وأحسنه والله ولي التوفيق”.
وعقب ذلك تم انتخاب المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيسا للمجلس التأسيسي والدكتور أحمد الخطيب نائبا للرئيس.
ولعل اول مهمة قام بها المجلس التأسيسي هي تشكيل لجنة اعداد مشروع الدستور التي ضمت خمسة اعضاء هم المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيس المجلس التأسيسي وسمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وكان حينها وزيرا للداخلية ورئيس لجنة إعداد مشروع الدستور المرحوم حمود الزيد الخالد الذي كان وزيرا للعدل ويعقوب يوسف الحميضي عضو المجلس التأسيسي أمين سر اللجنة والمرحوم سعود عبدالعزيز العبدالرزاق عضو المجلس التأسيسي.
وتولى سكرتارية اللجنة الامين العام للمجلس التأسيسي علي محمد الرضوان وشارك في اجتماعات اللجنة الخبير القانوني محسن عبدالحافظ الى جانب الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان.
واعتبرت مشاركة الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم رحمه الله في اللجنة مبادرة سياسية للمرة الأولى في تاريخ الكويت البرلماني سبقتها رئاسة الشيخ عبدالله السالم الصباح للمجلس التشريعي عام 1938.
وعقدت لجنة الدستور 23 جلسة جاءت الاولى يوم السبت 17 مارس 1962 والاخيرة في 27 أكتوبر 1962 ثم احالت اللجنة مشروع الدستور بأكمله الى المجلس التأسيسي لمناقشته واقراره.
بدأ المجلس التاسيسي النظر في مشروع الدستور في 12 اغسطس 1962 وفي جلسته المنعقدة بتاريخ 30 اكتوبر من العام نفسه تمت تلاوة مواد مشروع الدستور ثم اخذ التصويت على المشروع بالمناداة على الاعضاء بالاسم وتمت الموافقة عليه بالاجماع ليقر المجلس مشروع الدستور في جلسته المنعقدة بتاريخ 3 نوفمبر 1962.
وقدم رئيس المجلس التأسيسي الدستور الجديد الى الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح بقصر السيف في الثامن من نوفمبر 1962 ثم ألقى كلمة قال فيها “انه لشرف كبير لزملائي اعضاء لجنة الدستور ولشخصي ان نتقدم الى سموكم في هذا اليوم التاريخي نيابة عن المجلس التأسيسي بمشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على اساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت”.
وصادق الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم على الدستور بعد ثلاثة ايام من تاريخ رفعه اليه وتم اصداره وكان على الصورة التي اقرها المجلس ونشر في الجريدة الرسمية في اليوم التالي لصدوره.
بعد مضي 72 يوما فقط على اقرار الدستور اجريت في 23 يناير 1963 اول انتخابات شاملة في الكويت لانتخاب اعضاء مجلس للامة إيذانا رسميا ببدء العمل بالممارسة السياسية بموجب احكام الدستور الجديد كما كان المدخل الذي نفذت من خلاله حدود سلطات البلاد الرئيسية وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية.
يتألف دستور الكويت من 183 مادة موزعة على خمسة ابواب اولها عن الدولة ونظام الحكم والثاني عن المقومات الاساسية للمجتمع الكويتي والثالث عن الحقوق والواجبات العامة.
واختص الباب الرابع من الدستور بالسلطات واشتمل على خمسة فصول تناول الاول منها الاحكام عامة والثاني عن رئيس الدولة والثالث عن السلطة التشريعية والرابع عن السلطة التنفيذية والخامس عن السلطة القضائية.
أما الباب الخامس من الدستور فقد احتوى على نصوص الاحكام العامة والمؤقتة.
واوضحت المذكرة التفسيرية للدستور التي تعتبر بمنزلة العمود الفقري لمواده التصور العام لنظام الحكم في البلاد وفسرت كل المواد التي قد تخضع لاكثر من تفسير او اجتهاد.
وفي 10 فبراير من عام 1980 شكل الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح لجنة للنظر في تنقيح الدستور تكونت من 35 عضوا.
عقدت لجنة تنقيح الدستور اول اجتماع لها في 19 فبراير 1980 وحضر الاجتماع الامير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح والقى خطابا في الجلسة مطالبا الاعضاء بالحفاظ على الدستور وصيانة مبادئه الاساسية مشددا على المسؤولية الملقاة على عاتق اللجنة لخدمة شعب الكويت وتحقيق امنه ورخائه واستقراره.
وانهت لجنة تنقيح الدستور اعمالها يوم 22 يونيو 1980 بعد ان عقدت عدة اجتماعات استمرت 18 اسبوعا واطلعت خلالها على 13 تصورا من الحكومة وتصور واحد من الاعضاء.
وكان دستور الكويت ابان الغزو العراقي للبلاد في اغسطس 1990 بمنزلة المظلة التي عملت على توحيد صفوف الكويتيين في الداخل والخارج وعززت تمسكهم بشرعيتهم فأهل الكويت في الداخل صمدوا ورفضوا التعاون مع الغزاة في حين اجتمع الكويتيون في الخارج في مدينة جدة السعودية في اكتوبر 1990 واعلنوا تمسكهم بدستورهم.
وقال الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح في المؤتمر الشعبي بجدة ان “الكويتيين عاشوا منذ القدم في اجواء من الحرية والتزموا الشورى ومارسوا الديمقراطية في اطار دستورنا الذي ارتضيناه”.
من جهته قال عبدالعزيز الصقر رحمه الله في كلمته امام المؤتمر ان “استرشاد دستور الكويت بتجارب الدول الاخرى قد عزز هويته الكويتية الصادقة فجاء بمنزلة عباءة سياسية كويتية النسيج والنموذج”.
وبعد ان من الله على الكويت بنعمة التحرير وجه الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد كلمة للشعب الكويتي في العشر الآواخر من رمضان في السابع من ابريل 1991 قال فيها ان “الشورى والمشاركة الشعبية في امور البلاد كانت طبيعة الحياة في بلدنا ولها طرق عدة الا ان عودة الحياة النيابية هي ما اتفقنا عليه في المؤتمر الشعبي بجدة”.
واضاف الامير الراحل “..ووفاء بهذا العهد فقد قررنا بعد ان تستقر الاوضاع وتبدأ مسيرة الحياة ويعود اهل الكويت الى اهلهم.. ان تجري الانتخابات النيابية خلال السنة المقبلة باذن الله تعالى حسب ما نص عليه دستورنا”.
ومنذ صدور الدستور قبل 57 عاما وحتى اليوم تم انتخاب 15 فصلا تشريعيا وتم تشكيل 34 حكومة.
والكويت وهي تحتفل هذه الايام بذكرى دستورها فانها تستذكر تاريخا مشرفا من الانجازات على طريق الديمقراطية وتعزيز حقوق الانسان في ظل الرعاية الأبوية السامية لسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.