برؤية واعدة تتقدم الكويت نحو المستقبل مدعمة بأرقام ومؤشرات دولية متلاحقة ودالة على التطور الذي يحققه اقتصاد البلاد بعد سنوات من الاعتماد على النفط مصدرا شبه وحيد للايرادات العامة.
فالكويت للمرة الأولى حلت ضمن أفضل 10 دول تحسنت وفق أحدث مؤشر للبنك الدولي عن سهولة ممارسة الأعمال في 190 بلدا وأرجع البنك ذلك في بيان له اخيرا إلى “برنامج إصلاح شامل خلال العام الماضي يتماشى مع رؤية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (كويت جديدة 2035)”.
وإضافة إلى ذلك فإن الكويت أيضا صنفت الأكثر تحسنا في الشرق الأوسط لجهة تطوير قدراتها التنافسية على مؤشر التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) أخيرا بعدما قفزت ثمانية مراكز وحلت في المرتبة ال 46 عالميا من بين 141 دولة شملها مؤشر العام الحالي.
وعلاوة على ذلك حققت بورصة الكويت قفزات كبيرة خلال الأشهر الأخيرة مع ترقيتها على مؤشر (ام اس سي اي) للأسواق الناشئة وهي ثالث ترقية لها بعد مؤشري (فوتسي راسل) و(ستاندرد آند بورز داو جونز) مما يعني تدفق استثمارات بمليارات الدولارات إلى سوق المال الكويتي.
ترقية البورصة
وتتوقع مؤسسة (أرنست آند يونغ) أن يجذب السوق الكويتي نحو 10 مليارات دولار من التدفقات الاستثمارية من صناديق غير نشطة بسبب ترقية البورصة.
وتعد ترقية البورصة الكويتية على مؤشر (ام اس سي اي) نقطة تحول وعلامة فارقة في مسارها بالنظر إلى أن (ام اس سي اي) هي المؤسسة الرائدة في مجال أدوات دعم القرارات الاستثمارية في العالم ولديها 8 الاف عميل على الأقل وتغطي مؤشراتها أسواق أكثر من 75 دولة متقدمة وناشئة ومبتدئة وفق تصنيفها لتلك الدول.
وبالإضافة إلى ذلك فان (ام اس سي اي ) هي المرجعية الأولى التي تسترشد بها المؤسسات الاستثمارية الفاعلة في العالم ومن خلالها يجري قياس أداء محافظ وصناديق الأسهم العالمية بالمقارنة مع أداء السوق ككل كما أنها الأساس لأكثر من 500 صندوق استثماري متداول في البورصات العالمية (اي تي اف).
ودفعت تلك القفزات البنك الدولي أخيرا إلى الإشادة بالتقدم الذي حققته الحكومة الكويتية في تعزيز دور القطاع الخاص وتحسين بيئة الاعمال والاستثمار والتأكيد على أنها “تسير في الاتجاه الصحيح”.
وبالفعل تدرك الكويت أهمية تنويع الدخل بعيدا عن النفط الذي يساهم حاليا ب 90 في المئة من دخل الدولة وأكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي في ضوء التقلبات الحادة في السوق.
وتلقي التطورات المتلاحقة في منطقة الخليج العربي بظلالها على الممر الوحيد ل7ر2 مليون برميل هي إجمالي ما تصدره الكويت يوميا من النفط لذا تعي الكويت أن جعل اقتصادها أكثر مرونة واستدامة بات ضرورة استراتيجية.
تنويع مصادر الدخل
ورأى خبير اقتصادات النفط العالمي الدكتور ممدوح سلامة في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية اليوم الخميس أن الكويت وإن كانت قادرة على التغلب على الازمات على المدى القصير فإن التنويع الاقتصادي سيكون ضروريا جدا على المدى الطويل.
لكن سلامة لم ير “أي مشاكل تواجه الكويت كاقتصاد قائم على النفط على المدى القصير إنما سيتعين عليها على المدى الطويل مثل جميع دول الخليج تنويع مصادر دخلها”.
وكانت الكويت أطلقت قبل أكثر من عامين رؤيتها الطموحة لعام 2035 (كويت جديدة) ترجمة لتوجيهات سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي وعالمي.
في إطار هذه الرؤية اتخذت الحكومة إجراءات حاسمة لتنويع الاقتصاد وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص باعتبارها محاور أساسية في تلك الرؤية.
وبناء على ذلك أطلقت الكويت مشروعات عملاقة وقطعت أشواطا كبيرة نحو الإصلاح الاقتصادي لتعزيز دور القطاع الخاص وإصلاح البورصة وتعديل قوانين كالتأمين وحماية المنافسة وقانون الشركات والخصخصة والشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في مشروعات التطوير العقاري والتعليم وإدارة المياه والصرف الصحي والسياسة والنقل وإدارة النفايات الصلبة وتشريعات أخرى.
وفي هذا الشأن يتوقع صندوق النقد الدولي نموا قويا في القطاع غير النفطي من الاقتصاد الكويتي بنحو 5ر3 في المئة في عام 2020.
واكتسب قطار التنمية زخما قويا بافتتاح جسر الشيخ جابر العملاق الذي يربط مدينة الكويت بمنطقة الصبية ومشروع المنطقة الاقتصادية الشمالية (مشروع الحرير) وإقرار مجلس الوزراء أخيرا مشروع قانون إنشاء تلك المنطقة الأبرز في (كويت جديدة) قبل إحالته لمجلس الأمة.
تعاون السلطتين
من جانبه رأى خبير شؤون الخليج في معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس الامريكية البروفيسور كريستيان أولريخسن في تصريح لـ(كونا) أن تحقيق رؤية 2035 بمشاريعها الطموحة يعتمد على قدرة الكويت على الموازاة بين المسارات السياسية والاقتصادية لضمان التوافق حولها ودعم التدابير اللازمة لتحقيقها.
وأكد أولريخسن أن “الكويت بالفعل قادرة على تحقيق رؤية 2035 إذا قسمت هذه الرؤية متعددة السنوات إلى أهداف وغايات محددة في كل قطاع لتسهل إدارتها”.
وليتحقق ذلك يشدد على أهمية التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية للتغلب على الصعوبات التي أعاقت التنويع الاقتصادي في الماضي ولزوم دعم القرارات التي تتخذها الحكومة لدفع عملية الإصلاح”.
وتسعى الكويت جاهدة إلى جعل القطاع الخاص في طليعة جهودها لإعادة تشكيل اقتصادها وتحقيق أهداف رؤية 2035 لاسيما أن تقديرات صندوق النقد الدولي تؤكد أن القطاع الخاص يجب أن يستوعب نحو 100 ألف مواطن أي حوالي خمس قوة العمل الكويتية المتوقع انضمامها لسوق العمل خلال السنوات الخمس المقبلة.
وخلال العامين الأخيرين نفذت الكويت إصلاحات جوهرية لتحسين الإطار التنظيمي للأعمال منها تيسير البدء بالنشاط التجاري من خلال دمج الإجراءات للحصول على الترخيص التجاري وتبسيط تسجيل الشركات عبر الانترنت كما يسرت الحصول على تصاريح البناء من خلال تبسيط الاجراءات ودمج المزيد من الجهات في منصتها الالكترونية وتعزيز الاتصالات بينها وتقليص الوقت اللازم للحصول عليها.
لكن لتمكين القطاع الخاص سيتحتم على الكويت بناء نهج للتعامل مع التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي قد تكون عائقا أمام الإصلاح، كما أفادت لـ(كونا) الباحثة في كلية لندن للاقتصاد الدكتور صوفي اوليفر- اليس.
القطاع الخاص.. رأس الحربة
ورأت إيلس – التي تستعد لنشر دراسة مهمة عن سبل تعزيز دور القطاع الخاص في الكويت ما بعد النفط – أن “كويت جديدة” رؤية واعدة وأن القطاع الخاص هو “رأس الحربة” في هذا التحول نحو اقتصاد غير قائم على النفط لافتة إلى أن الحكومة الكويتية تسعى بالفعل لخفض دور القطاع الحكومي في مشروعات التنمية بنحو 30- 40 في المئة.
ولا تعتقد إيلس أن خطة تحرير أو “لبرلة” الاقتصاد الكويتي متراجعة كثيرا عن باقي الجوار الخليجي لكنها حذرت من أن الكويت إن لم تنوع اقتصادها “فستكون عاجزة عن المنافسة في القرن ال 21”.
وتعي الكويت جيدا أهمية الاستثمارات في تنويع الدخل وهي صاحبة أقدم صندوق ثروة سيادي في العالم لاستثمار عائدات النفط ما مكنها من بناء محفظة ضخمة من الاستثمارات العالمية تضمن عوائد طويلة الأجل إضافة إلى الاستثمار في مشاريع التنويع الاقتصادي في الداخل.
وللاشارة فإن رؤية (كويت جديدة) تستهدف اليوم استقطاب التكنولوجيا والابتكار لزيادة فرص العمل لمواطنيها وإيجاد قيمة مضافة في الاقتصاد.
وفي موازاة ذلك قدمت الكويت حوافز للاستثمار كالإعفاءات الضريبية وإمكانية ممارسة الملكية والإدارة الكاملة للمستثمرين الأجانب ما مكنها حتى من جذب استثمارات اجنبية تقدر بثلاثة مليارات دولار خلال السنوات الأربع الأخيرة فضلا عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في شكل المشاركة مع شريك محلي وهي أعلى بكثير.
أضف إلى ذلك أن من شأن تعزيز الاستثمارات في قطاع النفط المساهمة بشدة في جهود الكويت للتنويع الاقتصادي لتعظيم المردود المالي للصادرات.
استثمارات خارجية
ووفق التقرير النفطي لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن الربع الرابع لعام 2018 تعتزم الكويت رفع الإنتاج الحالي من 5 ملايين طن إلى إنتاج 10 ملايين طن من المواد البتروكيماوية من خلال مشاريع بدأت العمل عليها منها مشروع (الأوليفينات الرابع) ومشروع إنتاج الايثلين في الولايات المتحدة ومجمع بتروكيمياويات بالتعاون مع شركة كندية واستحواذها على أسهم في شركات أخرى في آسيا.
ويمكن لهذه الصناعة تعظيم القيمة المضافة وزيادة الإيرادات بنسبة تصل إلى 15 في المئة في البرميل الواحد من النفط وهي تساهم عالميا بحوالي أربعة تريليونات دولار من القيمة المضافة.
وتتطلب جهود التنويع الاقتصادي في الكويت تعزيز الاستثمارات الخارجية مع التركيز على بناء صناعة بتروكيمياوية موجهة نحو التصدير وزيادة صادرات النفط المكرر على حساب صادرات النفط الخام مما يضيف قيمة للصادرات.
وتتطلب أيضا زيادة كفاءة إنتاج النفط من خلال زيادة استثمار الكويت في تقنيات استخراج أكثر تطورا لتعظيم الاستفادة من إنتاج الحقول كما يشير جون كمنغ كبير الاستشاريين في مؤسسة اكسنتشر العالمية للاستشارات.
ودعا كمنغ في تصريح (كونا) إلى “التحول الرقمي (في استخراج النفط) وتطوير استراتيجية تنفيذ رقمية تفصيلية كخطوة أولى”لضمان ديمومة الحقول النفطية وإطالة عمر الحقول”.
وعلى الرغم من ذلك لا يعتقد الدكتور ممدوح سلامة خبير الطاقة العالمي في تصريح سابق وجود نهاية لعصر النفط أو ذروة للطلب في هذا القرن ورأى أن الكويت التي تمتلك الكثير من احتياطات النفط مازال مستقبلها مضمونا.