تبوأت الحياكة مركزا مهما بين الحرف التي كانت رائجة في دولة الكويت قديما وكان الحاكة أو (الحياك) كما يطلق عليهم محليا يقومون بنسج القطع المستخدمة في صناعة البشوت ومفردها (بشت) أي العباءة التي يرتديها العرب بشكل عام منذ آلاف السنين والمصنوعة من الخيوط الصوفية التي كانت متوافرة محليا.
ويستخدم الحايك في عمله جهازا معقدا ودقيقا يطلق عليه (العدة) وهو مكون من عدد كبير من القطع والأجزاء لكل منها اسم معين ودور خاص في صناعة البشت ويصنع الاجزاء الرئيسية من العدة النجار بينما يقوم الحايك بنفسه بتجهيز القطع الصغيرة والأدوات الخاصة بالحياكة.
ومن الأجزاء الرئيسية في عدة الحايك النول والدفاف والبزار والنيرة والمزراق والمشباح والمداوس.
وحول هذا الموضوع قال الباحث في التراث الكويتي محمد جمال في لقاء مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس إن الحايك كان يشتري الغزل (خيوط الصوف) من النساء اللاتي كن يعرضن ما لديهن من أنواعه المختلفة في (سكة الصوف) التي كانت تعج بالبائعات الجالسات على جانبي الطريق وأمام كل منهن بضاعتها التي تغزلها وتلفها على شكل كرات صغيرة أو لفات يطلق عليها (وشايع) ومفردها (وشيعة).
وأضاف جمال أن قيمة الوشيعة الواحدة كانت تتراوح ما بين 12 آنه إلى روبية واحدة وتزن حوالي رطلين ويقوم المشتري بتقدير وزنها وجودتها بيديه مشيرا إلى أنه كان يتم استيراد الغزل عالي الجودة من مناطق معينة في إيران.
وأوضح أن كميات الصوف والغزل المعروضة للبيع كانت تزداد في فترة الربيع حيث يجلب البدو إلى الكويت كميات كبيرة من الصوف معبأة في (شلفان) أي أكياس كبيرة تنقلها الجمال إلى ساحة الصفاة فتشتري جزءا منها النساء اللاتي يقمن بغزلها وعرضها للبيع بينما يتم تصدير معظمها إلى الهند وإيران عبر السفن الشراعية.
وأشار إلى اختلاف انواع خيوط الصوف التي تستخدم للحياكة فمنها الربيع والوسط والسميك ولكل منها استعماله الخاص إذ كانت هناك انواع مختلفة من البشوت التي يقوم الحاكة بصنعها ومنها الصيفي والربيعي والشتوي.
وذكر جمال أن عمل الحايك يبدأ بتجهيز الخيوط التي يشتريها على شكل ربطات تسمى (وشايع) حيث يقوم بفكها ودولبتها أي لفها على جهاز خشبي صغير يسمى الدولاب مرتبط بآلة أخرى تدعى الفريطة لنقل الخيط من الوشيعة إلى البكرة أو القلم كما تدعى أيضا.
وأضاف أن الخطوة التالية هي تسدية الخيوط أي مدها طوليا وإدخالها في الأماكن المخصصة لها من العدة ولكل نوع من البشوت عدد معين من الخيوط حسب عرض القطعة ويصل عدد خيوط السدي (الخيوط الممدودة طوليا) الى 640 خيطا.
واستطرد قائلا إن الحايك يقوم قبل إدخال الخيوط بالعدة بعمل (المريس) وهو التمر الممروس بالماء ليطلي به الخيوط حتي تتصلب وتسهل حياكتها بعد أن تجف مبينا أن الحايك يبدأ عمله اليومي مستخدما يديه ورجليه لتشغيل العدة وهو واقف في حفرة يصل عمقها الى حوالي 70 أو 80 سنتيمترا ساندا ظهره على جدارها ويقوم بصبغ البشت باللون المطلوب باستخدام مواد معينة يشتريها من العطارين.
وأشار جمال إلى أن بعض الحاكة كانوا يعملون لحسابهم الخاص من خلال تركيب جهاز عدة أو أكثر في ساحة المنزل (الحوش) أو الديوانية ليحيكوا البشوت عليها كما أن هناك أرباب عمل يطلق على الواحد منهم (معزب) وهو الذي يقوم بتشغيل العمال في أماكن خاصة تسمى (الباركة) عادة ما تكون في أحد الأحواش الملحقة في بيوتهم.
وذكر أن الباركة تحتوي على عدد كبير من العدد التي قد يصل عددها إلى 20 يعمل عليها عدد مماثل من الحياك الذين يتقاضون أجرة معينة مقابل كل بشت يحيكونه.
وبين أن أجرة العامل كانت تحسب على كل قطعة بشت يقوم بحياكتها روبية واحدة مثلا أو بالمناصفة ويطلق عليه (نصاف) إذ كان يتقاضى أجره بعد خصم قيمة المواد الداخلة في الانتاج.
وقال جمال إن عددا كبيرا من الشباب في منطقة الشرق كانوا يعملون بالحياكة وخاصة في الأحياء الممتدة من جنوب دروازة العبدالرزاق مرورا بحي الصوابر وصولا إلى مقبرة النصارى حيث كان يطلق على تلك المناطق (فريج الحياك).
وأفاد بأن الكثير من العمال قدموا من الإحساء والبحرين للعمل في هذه الحرفة وسكنوا (الباركة) ويكون مأكلهم على حساب المعزب الذي يتفق معهم على مناصفة الربح لكل بشت يحيكونه وكان المعزب يقوم في كثير من الأحيان (بركس) العمال أي اقراضهم مبالغ من المال تخصم من أجرتهم لاحقا.
وأشار إلى أن مهنة الحياكة كانت تزدهر صيفا إذ أن الرطوبة والأمطار كانت تعرقل العمل وتؤدي إلى لزوجة الخيوط وصعوبة حياكتها خاصة وأنها مطلية (بالمريس) لذا كانت تتوقف أعمال الحياكة في معظم فصل الشتاء ويتوجه بعض الحياك الى أعمال أخرى.
وفي ما يتعلق بمدة حياكة البشت قال جمال إنها تختلف بحسب الجودة فحياكة (المزوية) الذي كان يشتريه البحارة وسكان البادية لحمايتهم من البرد تستغرق يوما واحدا فقط وذلك لعدم جودة قماشه أما البشوت ذات الجودة العالية فقد تستغرق حياكتها ثلاثة أيام أو أكثر.
وأضاف أن من أنواع البشوت (المقوصر) ويحاك للشباب ما بين 14 و 16 عاما ويبلغ طوله حوالي تسعة اذرع كما ان هناك نوعا اصغر حجما ويسمى (المصدر) وهو للصبي البالغ من العمر حوالي 12 عاما ويبلغ طوله سبعة اذرع.
وذكر أن هناك عباءات سوداء تصنع من الصوف للنساء إذ كن في الماضي يرتدين عباءات الصوف طوال الوقت قبل أن تدخل العباءات ذات القماش الخفيف إلى السوق أواخر الأربعينيات.
وعن كيفية بيع البشوت أوضح جمال أن الحايك أو المعزب يأخذ قطعة البشت التي تمت حياكتها لبيعها في السوق إما مباشرة لخياطي البشوت أو عن طريق الدلالين المتخصصين الذين يحرجون (يشرفون على مزادها) في سوق السلاح الذي كانت تباع فيه البشوت محلية الصنع.
واوضح أن البشوت المستوردة ذات الجودة العالية كانت تباع في سوق البشوت الذي بناه المرحوم الشيخ فهد السالم الصباح في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي بينما استمر بيع البشوت المحلية في سوق السلاح.
وذكر بأن الفترة ما قبل ثلاثينيات القرن الماضي كانت البشوت تباع في (سوق البدر) الذي كان يطلق عليه أيضا سوق البشوت والزل.
وأفاد جمال بأن من أشهر اصحاب معامل الحياكة في الماضي المرحوم حسين البحراني وكان لديه أكبر معمل للحياكة في دولة الكويت إذ احتوى على عدد كبير من الأنوال وقد تولى العمل بعده نجله إبراهيم البحراني.
وذكر أن من أصحاب معامل صناعة البشوت الشهيرة أيضا حسين المزيدي وحسين الخميس وحسين بن جريدان رحمهم الله.