“العالم بعد فيروس كورونا ليس كما قبله”
يشبه احد كبار الخبراء الجيوسياسيين وباء فيروس كورونا كزلزال رهيب (تسونامي صحي) رافقه اعصار كبير (تسونامي اقتصادي) ضرب الكرة الارضية برمتها وكان من شان تداعياتهما تقويض اساس البنيان الكوني وجعله ركام، ومن نجا من دمار الأول لن ينجى من كارثه الثاني،،،
نعم،انه من المبكر استخلاص العبر واستشراف الابعاد ورسم التصورات لمشهد العالم بعد مرور العاصفة الحالية الهوجاء وخصوصا وان المواجهة المجنونة لا تزال في بداياتها.
الا ان بعض الملامح بدات تظهر اليوم من خلال متابعة خط سيرالتجربتين الصينية والايطالية كنموذجين مختلفين في التعامل.
متغيرات عصفت بالعالم أدت ألى تغيير في موازين القوى وولاده نظام دولي جديد،،،
فاذا أخذنا المائه العام الماضيه كانت الحرب العالميه الأولى ،والازمه الاقتصاديه في الثلاثينات ومن ثم الحرب العالميه الثانيه،الى مرحلة الحرب البارده ومن ثم إنهيار المعسكر الشيوعي ،وولاده نظام(One world order) إلى بروز قوى دوليه جديده باتت منافسه للولايات المتحد الأميركيه وهي الصين والهند ،،،
اليوم الحدث ليس صراع دولي أو حرب عالميه،إنما هو فيروس صغير حقير لايكاد يرى بالعين المجرده،عصف بالعالم أجمع،وجعل من قوتها التي طالما كانت تتغنى بها”نمر من ورق”!!!
أنه الفيروس”كورونا”الذي سيساهم بتغيير الخريطه الدوليه مجدداً وتتبدل من خلاله المفاهيم السياسيه والأنظمه في المجتمع الدولي!!!
ولعل من أهم المجلات الدوليه التي حرصت على رصد هذه المتغيرات على خريطه المجتمع الدولي هي مجله”Foreign Policy” المتخصصه في مجال العلاقات الدوليه،والتي وجهت نفس السؤال لبعض المختصين والمفكرين في مجال العلاقات الدوليه والتي إنحصرت إيجاباتهم بالنقاط التاليه:
“-فشل المؤسسات الدوليه بالقيام بدورها الذي كان متوقعاً بالتحذير والتنسيق للحد من الازمه.
-فشل الاتحاد الاوروبي في مواجهه وباء”كورونا”
-تراجع الأهتمام بالقضايا الدوليه ذات الأهتمام المشترك.
-تقويه مفهوم الحكومه المركزيه.
وعليه ،فاننا هنا أمام متغيرات رئيسيه سترسم ملامح النظام العالمي الجديد من خلال:
١/تعزيز فلسفه ال”Nationalism “أي كما يسميها البعض بالقوميه،ومثل هذا المفهوم يبرز دائماً بالازمات الوطنيه،ويتراجع عند إنتهاء الأزمات ليتم وصفه لاحقا”racism “ أي العنصريه،،،
علماً بان القومية اذا تزامنت مع أي ازمة اقتصادية كانت دائما تؤدي الى الاقتتال والحروب بين القوميات كما حصل في القرن ١٩ و٢٠ خصوصا الحربين العالميتين.
اليوم هذا المفهوم برز بعد أن انكفأت كل دوله على نفسها،وباتت الدول العظمى عاجزه عن تقديم الدعم والحمايه لهذه الدول،بل بات الأمن الوطني لكل دوله يحتم عليها الانغلاق على نفسها والعمل ضمن حدودها الجغرافيه ووفق إمكانياتها الوطنيه المتاحه،والتخلص من العماله الاجنبيه التي باتت اليوم تهديداً لامنها واستقرارها وسبباً بنشر الأمراض والأوبئه فيها،فهاهي بريطانيا وجدتها فرصه للتخلص من عمال أوروبا الشرقيه كما هي دول الخليج مع العماله الوافده التي باتت أضعاف عدد سكانها الأصليين!!!
٢/غربله التعليم وإعاده مفهوم التنشئه الإجتماعيه،بصوره يتم من خلالها غرس مفهوم المواطنه الصحيحه البعيده عن الانقسامات الطائفيه والقبيله وغيرها،وهذا من أساسيات الفكر القومي أو ال”Nationalism “الذي سيكون الأساس الذي سترتكز عليه أساسيات الدوله،وأقصد هنا منطقه الخليج العربي تحديداً،والمعروفه بتكوينها العشائري الذي بات يقوض أركان الدوله الحديثه،،،
٣/هذا الوباء أظهر للعالم كله أهميه الدور الذي تلعبه الحكومه المركزيه”centiralism”في إداره الأزمات،الذي سيكون بدون شك على حساب السلطات التشريعيه والحريات في هذه الدول،ولعل هذا ليس بالامر الجديد في مفهوم الانظمه الديمقراطيه فعند الازمات من يتولى الاداره هي الحكومه،وليس للسلطات التشريعيه سوى دور تشريعي رقابي داعم لجهود الحكومه المركزيه،،،ذالك بدون شك لن يغير من طبيعه الانظمه الغربيه تحديداً والقائمه على مفهوم تداول السلطه والشرعيه للفرد،،،إلا أنه سيكون له إنعكاس مغاير لدي دول الشرق الأوسط وأسيا كالصين وماليزيا وغيرها من دول أسياً،التي ستتعزز على أثر هذا الوباء سلطه الحكومه المركزيه،سيما إن تحقق لهذه الحكومات المركزيه النجاح في إداره أزمه هذا الوباء،وسيكون هناك إنحساراً ملحوظاً للنهج الديمقراطي!!!
٤/بروز أهميه نظام التكامل الإقتصادي،،،وأنا هنا لا أتحدث عن الصين أو أوروبا أو الولايات المتحده،إنما أتحدث عن دول الشرق الأوسط وتحديداً دول الخليج العربيه،،،فلولا البعد الجغرافي للمملكه العربيه السعوديه مع الكويت والبحرين والامارات وغيرها من دول الخليج،لاختنقت هذه الدول بسبب،سياسيه الحمايه والإنكفاء على النفس لمواجهه خطر إنتشار كورونا،،،،فهاهي حركه الطيران والملاحه البحريه قد توقفت،والمنفذ الوحيد الذي بات متنفساً لدول المنطقه هي المملكه”العمق الاستراتيجي” وهذا يدعو لتعزيز هذه الشراكه الاستراتيجيه لتشمل المواد الغذائيه والمياه وغيرها في هذه الدول وزياده الاستثمار فيها،لتتعدى حتى إطار الجزيره العربيه وتشمل كل من العراق والشام ومصر والسودان،،،،
٥/وهذا يقودنا إلى ضروره تعزيز العمق الأستراتيجي لدول المنطقه،على المستوى الإقليمي.
٦/الإستثمار الإستراتيجي،لطالما كانت لندن وباريس وغيرها من الدول الغربيه ملاذاً آمنا للاستثمار الخليجي،سيما في مجال تجاره العقار والاقامه في تلك الدول،إلا أنه من الواضح أن ماحدث في أزمه وباء كورونا هذا جعل من المال ومقرالسكن لاقيمه له مع مايعانيه شعوب تلك الدول،بل أن معظم المقيمين الخليجيين يتكدسون في المطارات الاوروبيه هرباً من جحيم العيش في تلك الدول،ولذالك فانه من الأهميه بمكان اليوم تعزيز الاستثمار في هذا المجال في الوطن الأم أو دول الخليج،،،
٧/على المستوى العالمي،وصدمه فشل النظام الصحي لدي الغرب!!!سيشهد العالم تغييرات دراماتيكيه،فالولايات المتحده لن تفقد كلياً قوتها ونفوذها الدوليين،إلا أنها وبدون شك لن تكون كسابق عهدها،فتعاملها مع وباء”كورونا” سيساهم باضعافها في حربها الاقتصادية ضد الصين فهذه الاخيرة تتعافى وتعيد نشاطاتها كمصنع للعالم بينما تدخل أميركا طريقا مجهولا خصوصا اذا لم يتم اكتشاف دواء عاجل ضد هذا الوباء. فكل خطوة تأخير من امريكا هو خطوة تتقدم فيها الصين.
٨/ناهيك عن السوق الأوروبيه المشتركه التي خرجت منها بريطانيا مؤخراً والتي تركت كل من فرنسا وألمانيا لوحدهما تتحملان أعباء الدول الأوروبيه الأخرى كإيطاليا وأسبانيا المنهكتين إقتصادياً،ناهيك عن تحمل عبء دول أوروبا الشرقيه التي دخلت مؤخراً معهم في الاتحاد!!!فهاهي أيطاليا اليوم إنهارت بسبب هذا الوباء وستلحق بها أسبانيا ناهيك عن فرنسا وألمانيا التي تنكفئ كل منها على نفسها لحمايه نفسها،،،
في الوقت التي تعود فيها روسيا بقوة للعب دور هام على الساحه الأوروبيه. فهي الوحيدة اليوم التي ارسلت لايطاليا ٩ طائرات محملة بادوية واجهزة مع اطباء اختصاصيين بينما إنكفئت دول الإتحاد الأوروبي كل على نفسه غير عابئه بشركائها. فها هي التشيك قبل ٣ ايام استحوذت على شحنة كمامات كانت مرسلة الى ايطاليا . وعليه فلن تكون أوروبا كسابق عهدها،وقد نشهد تفكك دول السوق الاوروبيه المشتركه على أثر هذا الوباء،،،
٩/أما أسيا والصين تحديداً ،فاصابها نفس مااصاب اوروبا من رعب هذا الوباء،سيما وانها اول من عانا منه وشهدت إنطلاقته،ولذالك فانني لست ممن يعتبر الصين منتصراً في الأزمه،بقدر أن مواجهتها لاوروبا والولايات المتحده ستشهد اكثر حده،قد تنذر بصراع سيدفع ثمنه العالم أجمع،،،
على أثر ذالك،فقد يبرز لدينا خلال المرحله القادمه الملاحظات التاليه:
الملاحظة الاولى: قد يتوجه كثيرون الى المطالبة بوجود السلطة القوية المركزية الفاعلة القادرة على فرض قراراتها بالقوة وصولا الى حد ممارسة التسلط”الديكتاتوريه”وان كانت ستتم على حساب حرية الفرد وأجواء الديمقراطيه الذي ينعم بها.
الملاحظة الثانية: قد تندفع الدول والمجتمعات للإنكفاء على الذات والحماية الذاتية والتمترس خلف الحدود مع ما سيرافق ذلك من موجة مد وتصاعد للحركات الوطنية المتطرفة.
الملاحظة الثالثة: اعادة النظر في التبادل التجاري بين الدول بحيث ستتبلور وستزداد عملية الانتاج المحلي والتصنيع الداخلي بشكل يخفف من ثقل التبعية الخارجية ويسهل عملية الاكتفاء الذاتي من المواد الحيوية اكانت زراعية او صناعية اوطبية.
الملاحظة الرابعة: تفعيل النزعة الى ممارسة اللامركزية الأقاليم والمناطق المحلية كما نشهدها اليوم، اذ تعمد بعض السلطات المحلية والبلديات في المناطق الى فرض اجراءات وتدابير كحظر التجول داخل احيائها وشوارعها ووضع قيود على بيع المواد الغذائية والتموينية في ظل سكوت الدولة المركزية المحرجة او العاجزة،أمام هذا الوباء الكاسح!!!
الملاحظة الخامسة: بروز عمليات المحاسبة الشعبية لأداء الحكومات وتغير الأداء للأفضل.
الملاحظة السادسة: اعادة رسم اولويات السياسات الاقتصادية من خلال التوجه الى تفعيل قطاع الانتاج والاستثمار في الحاجات الحيوية الاساسية في مجالات الصحة و الغذاء والبيئة.
الخلاصه،أن هذا الوباء سيساهم كثيراً في تغيير موازين القوى ومفاهيم العلاقات الدوليه،
والذي قد يؤدي إلى خلق عالم جديد بمفاهيم سياسيه جديده.فهل هي بالانزواء او الانفتاح أو مركزية الدوله او بتحالفات جديده خارج نطاق الأقاليم او او او ،،،،إلخ،،،
على اي حال، فعلاً فان عالمنا لن يكون بعد عاصفة كورونا كما كان عليه بالأمس،،،