بقلم المحامي : خالد السويفان
التطور في العلاقات الدولية والانفتاح وحركة التبادل الاقتصادي كان له واقعه على التغيير في جميع الأنماط التي تتصل وتتحكم في المصالح السياسية أو الخاصة، والتي أيضاً باتت لا تعترف بحدود دولية تنحصر داخلها، بل ما يفوق التصور أننا أصبحنا من مستوردين الجرائم بعد أن كانت تمثل الحدود عقبة في وجه النشاط الإجرامي، بل أصبحت ترتكب الجريمة داخل الدولة وتحتمي بوجودها خارج حدود النطاق المكاني الذي رسمته، مما جعلنا نقف اليوم أمام الكثير من الجرائم الجنائية والقضايا الشائكة التي أصبحت حديث الكويت بأكملها في الوقت الحالي التي تحمل في طياتها شبهات بتورط شخصيات كويتية في صفقات غير مشروعة مرتبطة بمشاريع خارج البلاد.
وبعدما أُثيرت الكثير من تلك القضايا بوسائل الإعلام وشبكات التواصل صرحت الهيئة العامة لمكافحة الفساد في الكويت “نزاهة” مبادرتها لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بإحالة الوقائع إلى النيابة العامة، متى ما ثبت توافر شبهات فساد جدية تمثل اعتداء على المال العام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وسببت أضرار بالمال والمصلحة العامة أو سمعة الكويت في المحافل الدولية، وما تبعه من تقديم بلاغ من الجهة المنوطة بتلقي البلاغات عن أي جرائم مالية أو غسل أموال أو تمويل إرهاب في البلاد “وحدة التحريات المالية”، وبهذا تتم إحالة تلك القضايا إلى النائب العام ضد أي شخصية أو جهة كويتية تتهم في قضايا تورط بغسل الأموال وقضايا الفساد.
فوفقا لنص المادةً (12) من القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب “تلتزم المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة بإخطار الوحدة دون تأخير بأي معاملة أو أي محاولة لإجراء المعاملة بصرف النظر عن قيمتها، إذا اشتبهت أو توافرت دلائل كافية للاشتباه في أن تلك المعاملات تجري بأموال متحصلة من جريمة أموال مرتبطة أولها علاقة بها أو يمكن استعمالها للقيام بعمليات غسل أموال أو تمويل إرهاب”.
هنا نصل للنقطة التي تفرض نفسها وهي غسل وإخفاء الأموال التي تحصلت من “جرم أصلي” تحاط به الشبهات على مستوى دولي تم الحصول عليه بناءً على وجود نفوذ سياسي ووظيفي، لتكون هذه الأموال هاربة خارج حدود سريان القوانين المناهضة للفساد المالي، لتحاول العودة مرة أخري بصفة شرعية معترف بها من القوانين التي كانت تجرمها داخل الحدود الإقليمية التي تسري عليها هذه القوانين، الأمر الأفدح من هذا هو توجيهه تلك الأموال للاقتصاد الرسمي من أجل التغطية الكاملة لمصدرها، وهنا تكون الطامة الكبرى أذا يستمد المال شرعيته من الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية الأخرى، والذي يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن الكويت وغالبية دول الخليج نظراً لقوتها المالية بجانب ضعف النظم الضريبية في بعضها، يؤدي لضعف احتمالات كشفها ومصادرتها، لذا تعد بيئة جاذبة لغسل الأموال.
يقضي الإطار التشريعي لملاحقة الجناة المرتكبين لجرائم غسل الأموال وجود نظام إجرائي وطني فعال ذو أنماط مختلفة مرنة، بهدف سد الثغرات القانونية على الجناة، فكثيراً ما يحاول الجاني التهرب من النظام القانوني واستغلال إما نفوذه القوي أو التدليس والتستر ليصل لمرحلة التقادم المقرر للجرائم، بجانب اعتبار جرائم غسل الأموال من جرائم “عرقلة سير العدالة” لأن وسائل غسل الأموال تزيد من صعوبة كشف الجريمة، وبالتالي صعوبة تتبع عائداتها المباشرة، وذلك بنقل وتهريب الأموال المتحصلة من جرائم الفساد إلى دولة أخرى، وبهذا تكمن الصعوبة في تتبع العائدات الإجرامية في أكثر من إقليم، مما يعرقل في بعض الأحيان الاختصاص الجنائي في ملاحقة الجناة.
من واقع الأحداث والقضايا المتتالية بين الحين والآخر والتي تشير إلى تغلغل الفساد في جذور الدولة لسنوات ماضية، ظهور هذه الجرائم الآن يمثل صحوة من الجانب السياسي والقانوني فلذلك وجب أن يتبعها إجراءات صارمة وتشديد على الأجهزة الرقابية بالترتيب المنطقي وتكون الأفضلية لتطبيق قانون غسل الأموال بعد البنك المركزي هي هيئة أسواق المال وديوان المحاسبة وجهاز المراقبين الماليين، مع ضرورة إجراء حصر شامل ومراجعة لكافة القوانين والتشريعات المتعلقة بالأساس لمكافحة الفساد، مع إجراء تعديل تشريعي للقوانين التي لا تتزامن مع الأوضاع التي نمر بها.
ختاماً … فإن تعزيز الإصلاح في نظام المراقبة الفعالة يجعلنا نصل إلى الشفافية المطلوبة داخل أجهزة الدولة كافة دون استثناء، يجعلنا نقف عند الحد الذي يسمح للجميع بمراقبة كل مسئول لنتمكن من الحد من سطوة النفوذ داخل المؤسسات العامة والخاصة والتي بات البعض يتفاخر بقدراته على اجتياز القانون ماحياً فكرة وجود عقاب أو رقيب على أفعاله، فتصبح السلطات والنفوذ المكتسب للقيام بواجبات الدولة سلاح ذو حدين، أما أن يكون أمانة يحسن استعمالها وتوجيهها لأداء المصالح العامة للدولة، أو يتجه للاستغلال تلك السلطات لتحقيق مغانم شخصية له أو لغيره.