أخذ الرئيس دونالد ترامب بمشورة كبار قادة حملته الانتخابية، إذ هو يسعى للفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر. أما نصيحة المستشارين لترامب فمفادها أن عليه التخلي عن فوضويته في المواقف والتصريحات، والتزام «انضباط انتخابي»، وعدم الخروج عن النصوص التي يعدّها له مستشاروه، وذلك لوقف النزيف في شعبية الرئيس، التي بلغت أدنى مستوياتها.
لكن على الرغم من انضباطه، لم يسع ترامب إلا أن يعيد، في تغريدة، بث فيديو لطبيبة أفريقية تقول فيه إن المرض الناجم عن فيروس «كورونا» المستجد هو من عمل الشياطين. ودعت الطبيبة الناس للامتناع عن ارتداء كمامات للوقاية من الإصابة بالفيروس، كما دعت لاستخدام دواء «هيدروكسي كلوروكين»، على الرغم من شبه الإجماع الطبي، بما في ذلك من أرفع وكالات حكومية صحية أميركية، أن مضار الدواء المذكور أكثر بكثير من منافعه.
وأجبرت تغريدة ترامب، أنتوني فاوتشي، رئيس «قسم مكافحة الأمراض المعدية والحساسية» في «المركز الوطني للصحة»، على القول إنه لا يتعاطى في مواضيع التغريد وإعادة التغريد، لكن أي دعوة لعدم ارتداء كمامات للوقاية من الفيروس هي «أمر لا يساعد» في التغلب على الوباء.
وشرح فاوتشي في مقابلة مع مجلة «وايرد»، سبب تأخر الولايات المتحدة عن باقي دول العالم في السيطرة على انتشار الوباء، قائلاً «إنه ليس مجرد عامل واحد… فالدول الأخرى، مثل الدول الآسيوية والاتحاد الأوروبي، عندما طبقت سياسة الإغلاق أو الحجر، شمل ذلك نحو 95 في المئة من بلدانهم، أي أنهم طبقوا الحجر بكامل قوتهم».
وأضاف «تعرضت بعض البلدان لأزمات تفشي سيئة، ولكن بمجرد أن أغلقت، سيطرت على الأمور، وهبطت الأرقام إلى معدل منخفض للغاية، نحو العشرات أو المئات من الحالات الجديدة يومياً، لا الآلاف، أي أن أرقامهم انخفضت وبقيت منخفضة».
أما في الولايات المتحدة، فقال فاوتشي، «عندما أغلقنا، على الرغم من أن الإغلاق تسبب في ضغط وتوتر لدى الكثير من الناس، إلا أننا فعلنا ذلك حتى تدنت الأرقام إلى نحو 50 في المئة فقط، لكننا لم نصل أبداً إلى معدل منخفض بشكل معقول، بل وصلنا إلى نحو 20 ألف إصابة جديدة يومياً، وبقينا عند هذا المستوى لأسابيع عدة متتالية، ثم بدأنا في الانفتاح وإعادة أميركا إلى طبيعتها».
لهذا السبب، أضاف فاوتشي، «بدأنا نرى الحالات ترتفع من 20 ألف يومياً الى 30 ألفاً و40 ألفاً، والأسبوع الماضي، وصلنا رقم 70 ألف حالة جديدة في اليوم».
ووجه سهام نقده القاسية إلى ترامب، من دون أن يسميه، وحكّام الولايات الجمهوريين ممن مضوا في فتح ولاياتهم من دون أن يسيطروا أولاً على الوباء، قائلاً «لم يلتزموا المبادئ التوجيهية التي اقترحت بشكل أساسي طريقة حكيمة محسوبة للغاية لإعادة الفتح خطوة بخطوة».
وتابع العالم الأميركي: «في بعض الولايات، فعل المحافظون ورؤساء البلديات ذلك بشكل صحيح، ولكن في البعض الآخر، ما عليك إلا إلقاء نظرة على بعض الصور في الإعلام واللقطات التلفزيونية لترى الناس يتجمعون في حشود في الحانات، من دون أقنعة».
وختم فاوتشي: «لم نغلق البلاد بشكل كامل، ولم ينخفض خط الأساس إلى مستوى منخفض فعليا، وعندما بدأنا في الانفتاح، لم ننفتح بشكل موحد وفق معايير صارمة موضوعة سلفاً».
وبسبب أداء إدارته اللامركزي في إدارة أزمة «كورونا» المستجد، راحت أرقام ترامب تتدهور في استطلاعات الرأي، وتوسعت الفجوة بينه ومنافسه الديموقراطي، نائب الرئيس السابق، جو بايدن، حيث تظهر الأرقام أن ترامب صار متأخراً عن بايدن بتسع نقاط مئوية، بعدما كان متأخراً بخمسة نقاط قبل أسابيع.
ولتدارك المأزق، التزم ترامب انضباطاً انتخابياً، مع خروقات معدودة في تغريدة هنا أو تصريح هناك، وراح يتفادى الحديث عن شؤون «كورونا»، وسلّط اهتمامه على عدد من المواضيع التي يعتقد أنها مفيدة في رفع أرقام شعبيته في الولايات المتأرجحة، التي يزداد عددها بدورها لتشمل ولايات كانت – حتى الأمس القريب – محسومة في جيب ترامب والجمهوريين، مثل ولاية تكساس، حيث عنونت صحيفة «دالاس نيوز» التكساسية أنه «على الرغم من زيارته السادسة عشرة للولاية، لايزال ترامب متأخراً في استطلاعات الرأي بفارق نقطتين عن بايدن».
وسعى ترامب لإقناع قطاع إنتاج الطاقة، وخصوصاً الأحفورية، وهو عصب اقتصاد تكساس، أن انتخاب بايدن ليس في مصلحتهم، وأن المرشح الديموقراطي سيقوم، تحت ضغط المجموعات البيئية، بمنع التنقيب واستخراج الوقود الأحفوري. لكن القطاع المذكور يعاني من تدهور وإغلاق عدد كبير من شركاته أصلاً، وذلك بسبب الفورة النفطية العالمية، ووجود هذه المادة في الأسواق بكثافة، ما يؤدي لتخفيض أسعارها الى مستويات تجعل الاستخراج الأحفوري غير مربح.
كما سعى الرئيس الأميركي إلى خطب ود البيض من سكان الضواحي، وهؤلاء كانوا من أكثر المؤيدين له في الانتخابات الماضية قبل أربعة أعوام، في وقت تظهر استطلاعات الرأي ابتعادهم عنه هذه الدورة. وفي هذا السياق، أصدر ترامب مرسوماً إشتراعياً ألغى فيه مرسوماً سابقاً، كان أصدره الرئيس باراك أوباما، يربط المساعدات التي تقدمها وزارة الإسكان إلى المدن والولايات بانتهاج الأخيرة سياسات اختلاط عرقي، أي أن تقوم ببناء وحدات سكنية شعبية في أحياء الأثرياء، وهو ما يسمح لأولاد الفقراء بالذهاب إلى مدارس أولاد الأثرياء نفسها (المدارس الرسمية الأميركية تستقبل الطلاب حسب مناطق سكن ذويهم).
وقال ترامب، في تغريدة مفعمة بالعنصرية البيضاء ضد غير البيض: «يسعدني أن أبلغ جميع الناس الذين يعيشون حلمهم في أسلوب حياة الضواحي أنكم لن تكونوا منزعجين أو تتأذوا ماليا بسبب بناء مساكن منخفضة الدخل في منطقتكم».
وختم الرئيس الأميركي: «سترتفع أسعار بيوتكم حسب أسعار السوق، وستنخفض الجريمة في أحيائكم… لقد ألغيت قانون أوباما – بايدن، فاستمتعوا!»