كيف تنتهي ظاهرة دونالد ترامب ويخرج الرئيس الأميركي من الحياة العامة إلى التقاعد؟ حتى الآن، يتمسك ترامب وانصاره بالسلطة، حتى لو أن حظوظه معدومة بقلب نتيجة الانتخابات التي هزمه فيها المرشح الديموقراطي جو بايدن. وسائل إعلام أميركية نقلت عن مقربين من الرئيس الجمهوري أنه تدارس معهم فرص ترشحه في العام 2024 ليثأر من بايدن ويتغلب عليه في جولة انتخابية ثانية.
وينص الدستور الأميركي على أنه يمكن لأي مواطن أن يشغل منصب رئيس لمدة عشر سنوات، ما يعني أنه يمكن لترامب الترشح لولاية ثانية، حتى لو لم تعقب الأولى مباشرة، لكن الترشح مستقبلاً سيتطلب أن يخوض ترامب انتخابات تمهيدية داخل الحزب الجمهوري مجدداً للفوز بترشيح حزبه.
وفي حال قام ترامب فعليا بالترشح في العام 2024، يكون قد بلغ من العمر 78 عاما، وهو ما يجعله أكبر مرشح سنا في التاريخ الأميركي. والتقاليد السياسية الأميركية يندر أن شهدت رئيساً لا يخرج الى التقاعد بعد رئاسته، بعد ولاية واحدة أو اثنتين، لكن ترامب لا يشبه أي أحدٍ من أسلافه، فهو لا يتقيد بالتقاليد المعروفة.
في الحد الأدنى، يستعد ترامب لفرض سيطرته على الحزب الجمهوري لسنوات، بل لعقود مقبلة، من قبيل مباشرته بتأسيس «لجنة علاقات عامة» يمكنها جمع التبرعات وإنفاقها على الدعاية الانتخابية، وهو ما يعطيه قدرة على دعم ترشيح حزبيين الى مناصب متنوعة في حكومات الولايات والحكومة الفيديرالية.
ويدعم ترامب غالباً الموالين له، ويحارب ترشيح من يعارضونه. كما سرت أنباء بأن عائلة ترامب تسعى لإقامة شبكة تلفزيونية يمينية يستعيض بموجبها الرئيس المنتهية ولايته عن قناة «فوكس نيوز» اليمينية، التي تملكها عائلة موردوخ الاسترالية الأميركية. وكانت القناة المذكورة من أولى وسائل الإعلام التي أعلنت فوز بايدن بالسباق الرئاسي، وهو ما أثار غضب ترامب.
وما يكرّس التقارير المتواترة عن نية ترامب بسط سيطرته على الحزب الجمهوري لسنوات طويلة، والترشح في 2024، وربما التحايل على الدستور للترشح لولاية ثالثة، هو أن ترامب دفع نجله دونالد جونيور الى دائرة الأضواء الحزبية، وصار يعمل على إعداده كخليفة له ليكون صاحب قوة وازنة داخل الحزب، وفي قيادة «عشيرة ترامب».
خطط ترامب هذه تشي بأن الرئيس يعرف أن حظوظه في البقاء لولاية ثانية شبه منعدمة، وأنه يعرف أنه حتى يحجز لنفسه ترشيح حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، عليه أن يخرج من دون الاعتراف بخسارته، لأن الخسارة تضعفه أمام منافسيه لترشيح الحزب ممن سيلوّحون بها ضده لتأكيد عدم قدرته على الفوز.
لذا، يصرّ ترامب على تصوير أن الديموقراطيين «سرقوا» منه الانتخابات، وأن من حقه الثأر واستعادتها، وهو ما يقوّض أي منافسين ممكنين في الانتخابات التمهيدية. ويمكن لعائلة ترامب، ترشيح دونالد الابن واعتبار أن من حق العائلة على الحزب تبني ترشيح الابن للتعويض عن الانتخابات التي تمت سرقتها من الأب.
لكنّ الجمهوريين لا يبدو أنهم يسعون للبقاء تحت زعامة ترامب، إذ إن ثلاثة منهم على الأقل – من الطامحين للترشح الى الرئاسة بعد أربعة أعوام – بدأوا باكورة حركتهم الانتخابية بذهابهم الى ولاية جورجيا لتقديم الدعم لمرشحي الحزب الى مقعدين في مجلس الشيوخ، في الدورة الثانية المقررة في السادس من يناير. والثلاثة هم السيناتوران تيم كوتون وتيد كروز، ومحافظ ولاية ويسكونسن السابق سكوت والكر.
والى أن يخرج الجمهوريون من تحت عباءة ترامب، يتصرفون وكأنهم من مناصريه، ربما خوفاً من قاعدته الشعبية داخل الحزب، إذ عمدت غالبية الجمهوريين الى تفادي تقديم التهنئة للرئيس المنتخب بايدن، وتمسكوا بموقف ترامب، وأطلقوا تصاريح، مبهمة في معظمها، تحدثوا فيها عن حق أي مرشح في المطالبة بإعادة عد واحتساب الأصوات أو الذهاب الى القضاء للطعن بالنتيجة.
خسارة ترامب بعد ولاية واحدة أربكت الحزب الجمهوري، إذ بدلاً من خروج الرئيس الى التقاعد، يبدو أنه يقوم بكل ما يقدر عليه لتثبيت زعامته لفترة طويلة، وربما الترشح للرئاسة مرة ثانية، أو حتى توريث زعامته الى نجله دونالد ترامب جونيور، وهو ما يطرح السؤال: متى يثور الجمهوريون على الرئيس الأميركي ويتخلصون من سطوته عليهم، وهي السطوة التي طالت أكثر من المتعارف عليه تقليديا؟ الإجابات مبعثرة وتشي غالبها بأن الجمهوريين لن يواجهوا ترامب ما لم يشعروا بضعفه شعبيا داخل الحزب، أو حسب التعبير الأميركي، أنهم لن ينفضوا من حول ترامب ولن ينقضوا عليه قبل أن «يشمّوا رائحة دم»، أي قبل أن يرصدوا نقطة ضعف تسمح لهم بالانقضاض عليه.
الى أن يحدث ذلك، سيواصل الجمهوريون قبولهم بزعامة ترامب، وإن على مضض، والتظاهر وكأنهم يؤيّدونه، مع أنّهم يقبلون يديه ويدعون عليهما بالكسر.
أما الجمهوريون ممن ساورتهم شجاعة كافية للخروج من الحزب ومواجهة ترامب، فلعبوا دوراً كبيراً في مساعدة الديموقراطيين في تكبيد ترامب الخسارة الانتخابية التي لحقت به أمام بايدن، ومن أبرز هؤلاء جورج كونواي، زوج كيلي آن كونواي، وهي من أقرب المستشارين لترامب.
وكونواي وبعض الاستراتيجيين الجمهوريين اللامعين، مثل ستيف شميدت، الذي عمل مديراً لحملة المرشح الجمهوري الراحل للرئاسة جون ماكين، واندرو ويلسون، وأرملة ماكين سيندي وابنته ميغان، كلهم أسسوا «لجنة علاقات عامة» أطلقوا عليها اسم «مشروع لينكولن»، نسبة الى الرئيس الأسطوري الراحل ابراهام لينكولن، الذي تغلب على الجنوب والعبودية وأنهى الحرب الأهلية في منتصف القرن التاسع عشر.
ولعبت عائلة ماكين دوراً مركزياً في قلب ولايتهم أريزونا من ترامب الى بايدن.
وإلى الجمهوريين المنشقين، يستعد جمهوريون آخرون من أصحاب المستقبل السياسي الواعد للعب أدوار في الحزب والولايات المتحدة، ولا يناسبهم أن تسيطر على الحزب عائلة ترامب بشكل مطلق.
ومن هؤلاء ليز، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، وهي عضو في الكونغرس حالياً، وتشغل ثالث أعلى منصب في القيادة الحزبية في مجلس النواب. ويصوّر جمهوريون كثيرون تشيني على أنها مثل رئيسة حكومة بريطانيا الراحلة مارغريت تاتشر، والتي كانت معروفة بـ «المرأة الحديد». ومن نافل القول أن لتشيني طموحاً رئاسياً سيصطدم بالغالب بطموحات ترامب وعائلته.
الحركة لخلافة ترامب بدأت داخل حزبه الجمهوري، فيما الرئيس يستعد للانفراد بالزعامة وتوريثها لنجله. الجمهوريون المنافسون ما يزالون متمسكين بالصمت، ربما حتى لا يظهرون بمظهر من تخلى عن الحزب ورئيسه في وقت الأزمة. لكن تحت رماد الهدوء الجمهوري نار المنافسين، وبعد هذا الهدوء داخل الحزب لا بد من أن تأتي العاصفة.