أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية كثر الحديث عن محاولات إيرانية للتدخل فيها، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة بسبب ضعف الإمكانات التكنولوجية لنظام الملالي من جهة، ومن أخرى جراء الموقف الصارم من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، الذي لم يتغير رغم تبدل الإدارات في البيت الأبيض، بل إن كل إدارة جديدة تزيد من خنق نظام الملالي الإرهابي.
اليوم، بدأت إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن تعيين أركان الحكومة الجديدة، ومسؤوليها، ومن بين هؤلاء خمسة من أصول إيرانية، معروف عنهم أنهم معادون للنظام الحالي، فهؤلاء الذين عاشوا الحرية في الولايات المتحدة وتربوا على القيم الأميركية لن يقبلوا بأن يبقى نحو 80 مليون مواطن من أبناء جلدتهم يعانون الجوع والفقر والقمع الممنهج في ظل حكم لا يزال قادته يعيشون في كهوف الجهل وظلامية القرون الوسطى.
أضف إلى ذلك أن بادين، وفي أكثر من مناسبة، أظهر موقفاً حازماً من الممارسات الإيرانية في الإقليم والعالم، وهو لن يهدر وقته بإعادة الروح إلى نظام يلفظ أنفاسه جراء العقوبات القاسية، لا سيما أن طهران تعمل على زعزعة استقرار إقليم مهم من الناحية الستراتيجية للولايات المتحدة التي لها مصالح كبيرة فيه، كما أنها لن تتخلى عن حلفاء تاريخيين في مغامرة لتحقيق صفقة أثبتت التجرية الأوبامية أنها كانت خاسرة، وهو ما أشار إليه باراك أوباما في مذكراته.
هذه الصورة الواقعية تجعل من الخطاب الملالوي مجرد أحلام ليلة صيف، أكان لجهة الاستمرار في التمرد على الإرادة الدولية وزيادة تخصيب اليورانيوم، أو التهديد بالقنبلة الذرية، أو التلويح بالصواريخ البالستية، فكلها تزيد من عزلته، وتسد الأفق أمام هذه الطغمة المتخلفة، ما يدفعها أكثر إلى العبث الأمني في الإقليم، أكان في اليمن من خلال دفع المأجورين الحوثيين للتحرش بالمملكة العربية السعودية، أو لبنان عبر تعطيل أجهزة الدولة، وإشاعة الفوضى الأمنية، واستغلال الأزمة المالية والمعيشية في التحكم أكثر بالدولة، بينما في العراق فقد بدأ العراقيون بالخروج عن طاعة عملاء طهران.
أما سورية، فإن إسرائيل تكفلت منذ زمن بمعاقبة الحرس الثوري والميليشيات الطائفية المأجورة فيها، وهي لن تسمح لإيران بالاستمرار بممارسة عربدتها في تلك المنطقة الحساسة، لذا تستمر بقصف أهداف منتقاة توجع الإيرانيين وتزيد من خسائرهم، ما يسرّع انسحابهم ويجرون أذيال خيبتهم.
لا شك أن المواقف تشير إلى مزيد من الضغط مستقبلاً على طهران، التي عليها أن تدرك جيداً أن مشروعها المذهبي التفتيتي أصبح أمام حائط مسدود، ونأمل أن يدفعها ذلك إلى الاستيقاظ من أحلام المؤامرات والغطرسة المريضة، قبل السقوط المدوي المحتوم، وهو قدر الأنظمة الاستبدادية على مدى العصور.