منذ نحو 60 عاماً لم تغير المملكة المغربية موقفها من فلسطين، وكانت وحدها تدرك مدى خطورة إقفال نوافذ الحوار على القضية التي لا مفر من المفاوضات بشأنها بسبب غياب القرار العربي الموحد، لذلك أخذت على عاتقها تأدية الدور الأصعب لخدمتها، ليس من موقع رئاسة لجنة القدس فقط، إنما أيضا من خلال فتح قنوات اتصال بين الأطراف المعنية.
استناداً إلى هذه الحقيقة، لم يكن الفلسطينيون، في مختلف أطرهم الرسمية، بعيدين عن الحوار المغربي- الإسرائيلي، لا في عهد، المغفور له، الملك الحسن الثاني، ولا في عهد الملك محمد السادس، الذي استمر في مراكمة المواقف الجذرية من نصرة القضية، حتى لو كانت هناك بعض الخسائر الجانبية، لأن الإيمان بعدالتها يوازي عدالة قضية الصحراء المغربية، وبالتالي في حسابات العاهل المغربي تتساوى كفتا الميزان في هذا الشأن.
على هذا الأساس كان الموقف الصريح والواضح الذي أعلنه محمد السادس عبر الاتصال الهاتفي مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، فور الانتهاء من المحادثة الهاتفية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الخميس الماضي، وتأكيده التمسك بالموقف التاريخي من القضية.
في هذا الموقف أثبت الملك محمد السادس مرة أخرى انه يمارس الدور الطبيعي من أجل السلام المبني على التوصل الى تحقيق أمين للحقوق الوطنية الفلسطينية، وعدم الدوران في حلقة العنف والتصعيد التي لا تخدم، لا العرب ولا الفلسطينيين، إنما تزيد من تعقيدات الوضع، وترفع منسوب العنف لأنها في ذلك تنصاع الى المتطرفين المستفيدين من استمرار المعاناة أطول فترة ممكنة، واستثمارها في تنفيذ مخططات خبيثة على غرار ما تسعى اليه إيران، كما هي الحال في غزة مع “حماس”، و”حزب الله” في لبنان، والحوثيين في اليمن، وكذلك الميليشيات الطائفية في كل من سورية والعراق.
لا شك أن هذه المخططات حولت التركيز العربي والدولي عن حل القضية على أساس الموقف الذي أعلنه الملك محمد السادس في حواره الهاتفي مع محمود عباس، وهو حل الدولتين، وعدم التفريط بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
بعد تطبيع كل من الامارات والبحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل، والتي جميعها أكدت على تمسكها بالحقوق الفلسطينية، من المفيد طرح السؤال بشأن استمرار بعض الدول العربية في رفضها التطبيع، اذ ماذا يمنع الكويت والمملكة العربية السعودية، وبقية العواصم العربية من إقامة علاقات مع تل ابيب، لا سيما أن الاخيرة تمتلك تحالفات عالمية كبيرة، والمجتمع الدولي ينحاز لها في مجمل الملفات، إضافة الى أن العرب، حتى لو اتخذوا قراراً بالحرب، فلن تكون لديهم المقدرة على ذلك لغياب المقومات الأساسية في هذا الشأن، فيما السلام يخدم حقوقهم السيادية، ويخفف من إنفاقهم على التسلح الذي لم يؤد الى نتيجة، بل على العكس زاد من تخلف التنمية لديهم؟