رحل الفارس الذي جعل حياته شعلة من نشاط في سبيل الكويت.
رحل الشيخ ناصر صباح الأحمد، بعد أقل من ثلاثة أشهر على رحيل والده، أمير الإنسانية، وكأن الأرواح تنادي بعضها بعضا.
عرفنا الرجل جريئاً في النقد والنصيحة، صاحب موقف مستنير، ومثقفاً من طراز رفيع، يتابع كل صغيرة وكبيرة، أكان في موقع المسؤولية أو خارجها، حمل لواء الإصلاح بلا تردد، لأنه كان يدرك جيداً أن الكويت لا تعود إلى ريادتها وتكون من جديد “درة الخليج”، إلا من خلال إدارة أمينة، لذلك سلك الطريق الوعر في الإصلاح لا يخاف لومة لائم في قولة الحق.
في بداية توليه وزارة شؤون الديوان الأميري، عمل الراحل على وضع خطة تحديث وإعادة هيكلة، مستعيناً برئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، هذه الخطة التي قامت على أسس علمية واضحة من أجل إنهاض البلاد، وكرّس كل وقته لتنفيذ المشروع العملاق، مدينة الحرير والمنطقة الاقتصادية الشمالية، وتطوير الجزر واستثمارها سعياً إلى تحقيق “رؤية الكويت 2035″، وجعلها مركزاً مالياً وتجارياً عالمياً.
تحامل على نفسه، رغم الآلم والتعب وقطع المسافات الكثيرة، يزور الدول للتسويق للمشروع العملاق، الذي كان يمكن أن يحقق للبلاد الكثير من الفوائد، الاقتصادية والاجتماعية، لكن للأسف، وكما هي الحال مع عشرات المشاريع والقوانين وآلاف الاستشارات، كان هناك من يعارض، ويعرقل لأنه لم يستفد منها، ليضيع كما ضاع غيره في غياهب النسيان.
عمل بكل جهد على كل تلك الأفكار والمشاريع، لكن للأسف بدلاً من أن تطبق في الكويت، أخذتها دول أخرى ونفذتها بسرعة، فيما نحن ننتظر على رصيف الزمن، لأننا نعيش في دولة الإهمال، حيث يصبح المثل “عمك أصمخ” سلوكاً للعابثين بكل شيء والرافضين لأي خطوة تتقدم فيها البلاد إلى الأمام.
خلال تسلمه الدرع التكريمية في البيت الأبيض نيابة عن والده، أمير المحبة وأمير عز الكويت بامتياز، الشيخ صباح الأحمد، وقف وتحدى المرض لأن تلك الدرع كانت تكريماً للكويت.
لا حيلة للخلق فقدر الله نافذ، ونحن مؤمنون بالقدر، سنبقى نتذكر الشيخ ناصر صباح الأحمد صاحب الموقف الجريء، المخلص لوطنه.
لله ما أعطى ولله ما أخذ.
إنا لله وإنا اليه راجعون.