بعد ثلاث عشرة جولة من المفاوضات، صدر الإعلان يوم 2 أبريل الجاري في لوزان عن الاتفاق النووي بين إيران والدول الأعضاء في مجلس الأمن زائد ألمانيا، والتوصل إلى إطار مبادئ (5+1)، حيث ساد الابتهاج بين المتفاوضين، واعتبرت كل الأطراف، إيران من جهة، والدول الست من جهة أخرى، أنها حققت انتصاراً، وعاد الوفد الإيراني بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى طهران، ليحظى باستقبال الأبطال وخروج مظاهرات بعد منتصف الليل.
شكوك المرشد
ومرت الأيام دون أن يفصح المرشد الأعلى، الذي يملك بيده القرار، عن رأي، حتى كان يوم الجمعة 10 أبريل الجاري، ليطلق بعض الشكوك حول الاتفاق، قائلا: إنه لا يؤيد ولا يعارض الاتفاق، الذي سمي بإطار المبادئ، وإن العلة في التفاصيل، التي يجب أن تناقش في الفترة التي يجب أن تنتهي في يونيو لتوقيع الاتفاق النهائي، وأكد أن رفع عقوبات الحصار عن إيران يجب الإعلان عن إنهائها في اليوم الذي يتم فيه التوقيع.
تصريح المرشد خامئني أضفى بعض الشكوك حول احتمال إتمام الاتفاق.
المسائل الفنية يبدو أن لا خلاف عليها، وهي مسائل تتعلق بتقليص قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي مع السماح لها بالأبحاث وتطوير قدراتها النووية، ولكن في حدود متطلبات الاستخدام السلمي، وهي لإنتاج الطاقة وتحلية المياه والأبحاث الطبية، وما إلى ذلك، وهو ما تطرق إليه المرشد في تصريحه.
النواحي الفنية حول تقليص قدرات إيران لتخصيب اليورانيوم من 20 في المئة حالياً إلى 3.7 في المئة، ونقل مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، وتقليص عدد مفاعلات الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم، وتفكيك وإعادة تصميم مفاعل أراك لإنتاج الماء الثقيل الذي يستخدم لإنتاج السلاح النووي وتحويل المفاعل للأبحاث.
الإصرار على رفع العقوبات
كل هذه الأمور الفنية تمت مناقشتها من الفنيين، وأهمهم من الجانب الإيراني علي صالحي، القريب من المرشد، وكانت كل الخطوات تنقل أولاً بأول إلى طهران أثناء المفاوضات، لإعلامها واستشارتها وفق ما نقل من أوساط المتفاوضين.
إذن من الناحية الفنية لا يبدو أن هنالك ما هو موضع خلاف، لكن الشرط الذي قد ينسف ما تم التوصل إليه في إطار اتفاق المبادئ هو الإصرار على رفع عقوبات الحصار في اليوم الذي يتم فيه التوقيع في يونيو القادم.
أمام هذا الإصرار – إن صمد – مواجهة موقف الأطراف الأخرى، التي ترى أن رفع العقوبات يتزامن ويرتبط تدريجياً بتنفيذ الإجراءات الفنية التي يجب أن تكون تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبناء على تقاريرها، وهذه الأطراف ترى أنه لا يمكن أن ترفع العقوبات دون التأكد من تطبيق الخطوات الفنية.
أطراف ضد الاتفاق
يقول المراقبون إن هنالك أطرافاً تمثل المحافظين والجناح المتشدد، خاصة جماعة الحرس الثوري، وبعض أصحاب المصالح الاقتصادية هم في الأساس ضد الاتفاق، وضد منهج سياسة الرئيس روحاني، الذي طرح برنامجه في الانتخابات لإنهاء عزلة إيران ورفع إجراءات المقاطعة التي أنهكت الاقتصاد الإيراني، وتحريك عجلة التنمية، وبناء علاقات مع العالم ودول الإقليم، لتكريس الاستقرار والسلم، وهذا المنهج يحظى بدعم زعماء إيرانيين، مثل الرئيس السابق خاتمي، والزعيم رفسنجاني، والمرشح السابق كروبي، الذي لايزال رهن الإقامة الجبرية، وعلى أساس هذا المنهج حظي روحاني بفوز ساحق في انتخابات الرئاسة بنسبة 50.7 في المئة من الأصوات في حين لم يتجاوز أقرب منافسيه 16 في المئة.
هنالك آراء ترى أن المتشددين، خصوصاً الحرس الثوري، سيفعلون المستحيل لإفشال الاتفاق، لأن المسألة لا تتعلق بالنشاط النووي، فالمرشد خامئني أصدر فتوى بأن الإسلام يحرم إنتاج أسلحة نووية، وفي خطابه التحذيري قال إنه يخشى أن يحد الاتفاق من قدرة إيران على الاستفادة من الأبحاث النووية لأغراض إنتاج الطاقة وتحلية المياه والاستخدامات الطبية والزراعية، واتفاق إطار المبادئ لا يتعارض أو يتناقض مع ذلك، فهو يقيد فقط قدرات إيران في الوصول إلى إنتاج سلاح نووي.
لذا كيف سيكون موقف المرشد الأعلى صاحب القرار في النهاية؟!
وفي مواجهة محاولات المتشددين هناك الأزمة الاقتصادية، التي تزداد تفاقماً، وهي العامل الأساسي الضاغط للوصول إلى اتفاق يفتح المجال لبرنامج روحاني لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة طويلة الأمد، كما جاء في برنامجه، وأهمها زيادة إنتاج النفط، وصادراته، التي انخفضت إلى حوالي مليون برميل، في حين كانت في السابق فوق مليوني برميل.
آراء مختلفة
ويبقى السؤال: إذا استعادت إيران قوتها الاقتصادية فكيف سينعكس ذلك على سياستها الخارجية وعلاقتها بالعالم ودول الإقليم؟! هل ستحرص على استمرار التمدد والتوسع في دول الجوار أم ستبني علاقات سلمية طبيعية؟! حول ذلك تختلف الآراء، فهنالك من يقول إذا كنا نعاني سياسة إيران وهي داخل القفص الاقتصادي، فكيف سيكون الحال وهي خارجه؟ وفي المقابل، هنالك من يرى أن إيران خارج القفص ستستفيد من بناء موقع دولي وإقليمي ذي مكانة من خلال التعاون، لا المواجهة، وخطوة زيارة وزير الخارجية ظريف إلى باكستان يمكن أن تفسر لصالح هذا النهج.
ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم ما هو الاتجاه الذي ستسير فيه إيران، فذلك يعود لنتائج الصراع داخلها بين جناح الاعتدال وأجنحة التشدد وتصدير الثورة.