“وَقَد يَجمَعِ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَ ما يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَلّا تَلاقِيا” بيت الشعر هذا ينطبق على القمة الخليجية التي عقدت في مدينة العلا السعودية، وما شهدته الساحة الخليجية في السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية، الا ان كل ذلك زال نتيجة الاصرار الكويتي على اعادة المياه الى مجاريها الطبيعية بين دول المنظومة.
لا شك ان هذا التلاقي كان مصدر فرحة لشعوب “مجلس التعاون” كلها، فالشعب القطري فرح بقرار اميره المشاركة بالقمة، وفتح الحدود مع الشقيقة الكبرى السعودية، التي ايضا فرح شعبها بهذا التطور الايجابي الكبير، وكذلك في البحرين وعمان والامارات، فالترابط بين هذه الشعوب، جغرافيا وعائليا وتقاليد ولغة، اكبر من كل المصالح.
الخليجيون يحلمون يوميا بالربط بين العواصم، اكان عبر سكة الحديد والتنقل السهل بين دول المجلس، او الربط الكهربائي وتبادل السلع، وتعزيز قوتهم الاقتصادية الذاتية عبر منظومة انتاج صناعية وغذائية موحدة، وهم ايضا ينظرون الى دول الخليج كلها انها موطنهم اين ما حلوا في واحدة منها، لا يشعرون بالغربة او اي منغصات، ولهذا فان الاجواء التي تلبدت بفعل الازمة السابقة شكلت غصة كبيرة لكل خليجي.
بعد هذه المصالحة التاريخية علينا جميعا ان نضع بعض خفايا الامور امام الخليجيين كافة، في الدوحة كما في الرياض وابوظبي والكويت والمنامة ومسقط، ونسمي الاشياء بمسمياتها، فمن تسبب بشق الصف الواحد شبكة عنكبوتية حيكت بتأن من طلاب مال وسلطة همهم السيطرة على حكم قطر، ومتحالفين مع جماعات هدفها الدائم الهيمنة على العالم العربي، اضافة الى ادارات اجنبية سعت لتحقيق مخطط التدمير المنظم للعالم العربي عبر ما سمي “الربيع العربي” الهادف الى الفوضى الخلاقة.
هؤلاء توهموا انهم يستطيعون من خلال موقعهم في السلطة القطرية تنفيذ كل مخططاتهم، غير ان حلمهم تبخر مع الخطوة الكبيرة التي اقدم عليها الشيخ حمد بن خليفة، بنقل الحكم الى الشيخ تميم بن حمد، وهي لا شك خطوة يشكر عليها ويثمنها كل خليجي، لانها احبطت مخطط المهووس بالمال والسلطة حمد بن جاسم الذي كان قد ثبت ثعالبه في مفاصل الدولة ومؤسساتها الاعلامية.
لا يزال الجميع يتذكر التسريبات المنشورة عن تأمر هذا الرجل مع معمر القذافي على اسقاط النظام السعودي وتقسيم المملكة، وتورطه في الشغب بالبحرين والكويت ومصر وسورية وتونس، وتكون”الجزيرة” منبر من اسماها “الشعوب الساعية الى الحرية”، وكان ذلك جزءا من لعبة الامم التي تورط فيها الرجل، متوهما انه يستطيع من خلال ذلك الحصول على صك الدعم الخارجي للسيطرة على الحكم في قطر.
منذ تسلم الشيخ تميم بن حمد الحكم، عمل على ترميم الخراب، داخليا وخليجيا، واستطاع اعادة قطر الى سيرتها الخليجية الاولى الناصعة، والعودة الى البيت الخليجي.
في المقابل لا بد من المكاشفة في عدد من الملفات التي اثيرت، فالحديث عن الارهاب ودعمه من خلال احتضان جماعة”الاخوان” لم يكن واقعيا، فهذه الجماعة موجودة في كل دول الخليج، وكان لها اصابع في كثير من مؤسسات دوله، اكان في السعودية التي حاول عناصر الجماعة اظهارها بصورة الداعمة للارهاب، ولو كانوا استمروا لاصبحت المملكة معزولة عربيا ودوليا، لكن احبطت تلك المحاولات بعدما اتخذ الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهد الامير محمد بن سلمان، قرارهما التاريخي بابعاد تلك العناصر من المؤسسات كافة وتنظيف بلاد الحرمين منهم، اضافة الى الاجراءات المتخذة في الامارات والبحرين، والكويت، وهي اجراءات اتخذها ايضا امير قطر التي تغيرت حالها عما كانت عليه سابقا، اذ لم يعد هناك من تأثير لثعالب من اراد الاستيلاء على السلطة فيها.
كلنا ندرك مدى الدور التخريبي الذي تمارسه جماعة” الاخوان” منذ عقود، ولا تزال احداث ميدان “رابعة العدوية” في القاهرة ماثلة للعيان، وكيف سعى اولئك الارهابيون الى اشعال الفتنة في مصر بعدما ثار شعبها، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، على حكم مكتب الاوغاد، ولولا ذلك لكانت هبة النيل اليوم راعية الارهاب الاولى في العالمين العربي والاسلامي.
نعم، علينا الا نحاسب الدوحة على اعلام ارتهن لمهووسين بالسلطة الذين، وفقا لتقارير موثقة، قبضوا اربعة مليارات دولار تعويضا لخدماتهم، غير المليارات الاخرى التي حصلوا عليها خلال وجودوهم في السلطة، بل علينا ان ننظر الى الجهود الجبارة التي بذلها الشيخ تميم بن حمد، وبدعم من الشعب القطري الكريم، الذي قاد الدوحة الى بر الامان.
قمة العلا عبرت عن حقيقة النوايا الخليجية الصادقة فكانت بحق فاتحة الخير للعقد الخامس من مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
لا شك ان الخليجيين، بل العالم كله، سيتذكر ذلك الاحتفاء من ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بامير قطر الشيخ تميم بن حمد، وهو يعبر عن فرحة شعوب المنظومة كافة بعودة الدوحة الى الحضن الخليجي، بعد ان جمع الله الشتيتين.