هناك رسائل تقرأ من عنوانها كما جرت العادة، وهناك رسائل لايستطيع أحد فك رموزها وطلاسمها حتى يقرأ مابداخلها، وربما لايطمئن المرء لها ويتوجس خيفة منها، حتى أنه يحاول جاهدا عدم قراءتها، لخوفه مما فيها، وقد رأينا رسائل كثيرة بين الحكومة ومجلس الأمة، هذه الرسائل لا تخلو من الطلاسم والرموز الغامصة عند من لايفقه السياسة، وهذا مايجعلتنا نقول أن مجلس الوزراء ومجلس الأمة أصبح حالهما كحال صاحب حانة ومانة الذي قيل فيه: «بين حانة ومانة ضاعت لحانا» وحانة ومانة مثل توارثناها ممن سبقنا لرجل تزوج امرأتين الأولى حانة والثانية مانة، وكلاهما مؤذيتان، ولا يعني ذلك ان الزوج ملاكا، وهذا المثل يعجب النساء كثيرا، لأنه يحذر الرجل من أن يتزوج أمرأة ثانية، «والحاصل» ان هذا الرجل كان له لحية كبيرة، فآذا كانت ليلة حانة قالت له : أنت كبير قومك والمشار إليه بالرأي ولحيتك بيضاء، فتظهر وكأنك رجل مسن ضعيف لاحول لك ولاقوة،فلو صبغتها باللون الأسود لهابك القوم، وظهرت بمظهر الشاب القوي، فيأخذ برأيك، ويخاف سطوتك وصولتك، فيصدق المسكين حانة، ويطيعها ويقبل برأيها، ويقوم على الفور بصبغ لحيته، فتصبح حالكة السواد، فيمر عليه اليوم أسود اللحية حتى تأتي ليلة زوجته الثانية مانة، الشديدة الغيرة من شريكتها حانة، فترى لحية زوجها قد تغيرت وأصبحت حالكة السواد بعد أن كانت بيضاء، فتلومه لوما شديدا، وتقول له: أنت رجل لك مكانه عند الناس، وهم بعد يحترمون شيباتك، ويوقرونك ويبجلونك، اما وقد صبغتها بالأسود، فقد فقدت هيبتك، ولن يحترمك أحد على الاطلاق، على عكس ماكنت عليه عندما كانت لحيتك بيضاء، تشع نورا، فيسأله : فما الذي أفعله؟ يامانة؟ فتقول: اطلق العنان لشيبك حتى تعود كما كنت عليه وتفرض احترامك على الجميع ويحسبوا لك حسابا، فيوافق على ماقالته مانة ويترك الشيب يغزو لحيته من جديد، وتستمر الحكاية بين الرجل وزوجتيه حانة ومانة، بين صبغ لحيته بالاسود وتركها للشيب لمدة طويلة، حتى مل وسئم من كثرة ماصبغ لحيته وكثرة ماتركها للشيب، وفي ليلة غضب مدلهمة أقدم على حلق لحيته من شدة الحنق، ولم يكتف بذلك، ولكنه رمى بيمين الطلاق على حانة ومانة، ولم يخبرنا الراوي هل هو طلاق بائن أم طلقة واحدة، المهم انه طلق الزوجتين ولسان حاله يردد بيت يزيد بن مفرغ وهو يهجو لحية والي خراسان عباد بن زياد ابن أبيه:
ألا ليت اللحى كانت حشيشا
فنعلفها خيول المسلمينا
وقد ذكر أنه كان ينتف الشيب بيده وليس يصبغه، والواقع أيها السادة الكرام أن مانراه على الساحة السياسية في الكويت، يجعلنا نكره السياسة ونمقتها،ولانعيرها اهتمامنا، لأنها فقدت لونها وطعمها ورائحتها، وما يثير الدهشة والغرابة أن بعض أعضاء مجلس الأمة المحترمين يحاولون إيهامنا بأن الوزير شيطان والنائب ملاك، وأن النائب المحترم هو المنقذ، وأن الكويت ستكون على خير مايرام بجهده، أما الوزير فهو من لايريد الخير للكويت، وهذا مايذكرنا بقصص الأمير شهريار الخيالية فلا الوزير ملاك ولا النائب ملاك، وليس الوزير بشيطان ولا النائب بشيطان، فكلاهما بشر يخطئ ويصيب،المهم أن يكون الإجتهاد والعمل يصب في مصلحة الوطن، ونحن نحترم أعضاء مجلس الأمة مثلما نحترم أعضاء الحكومة، وفي الوقت نفسه لانقبل ان يصور لنا الوزير بالشيطان، فهذا التشبيه مرفوض جملة وتفصيلا، وهذه الشعارات لم تعد مقبولة حتى من أبناء رياض الأطفال، كما أنها استهلكت وعفى عليها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب، اعملوا للكويت ودعوا عنكم ماسوى ذلك، ولاتستعجلوا حل مجلس الأمة، فالأمر لن يكون سهلا كما يتصور البعض، وليس ثمة علاج ناجع لما نراه من فوضى متعمدة سوى التعاون بين السلطتين والعودة الى الحكمة والعقل، وطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، ولنعلم ان ترك مالا فائدة منه فائدة، ونحن كمواطنون نريد مصلحة الوطن ولاتتحقق المصلحة إلا بالتفاهم والإنسجام، أما ماسوى ذلك فليس له علاج آلا الكي، لعل وعسى أن يلتئم الجرح الغائر، وهو آخر الدواء، ولا أخال الكي هذه المرة إلا وسيكون موجعا للغاية، فهي كية لها مابعدها، لأنها لن تكون كسابقتها، والخير يخص والشر يعم، فالإنفلات الحاصل لايخدم آلا أعداء الكويت فلنكن أبناء بررة لهذا الوطن العزيز، ولننفي الضغائن عنا ونكون يدا واحدة والله تعالى ولي التدبير، انتهيت من هذه المقالة عند الواحدة والنصف من ظهر يوم الأثنين الموافق 11 يناير واترككم في رعاية الله.