عندما تسلَّم صدام حسين الحكم في العام 1979، أقدم على قتل غالبية مُعارضيه، وفي الوقت ذاته راح يُطلق تصريحاته النارية عن “حرق نصف إسرائيل بالكيماوي المُزدوج، والقنبلة الذرية”، وكان بذلك يُحاكي أسلوب جمال عبدالناصر في العام 1952 عندما سيطر “الضباط الأحرار” على حكم مصر، وبدأ عهد التصفيات وزج الناس في السجون، بينما كان عبدالناصر يهرب من مواجهة حقيقة ضعفه بإطلاق التهديدات ضد إسرائيل، ويُهاجم الأنظمة العربية، الأمر ذاته حدث في ليبيا حين انقلب معمر القذافي على الملك إدريس السنوسي.
جمال عبدالناصر بدلاً من أن يُنفذ تهديداته ضد إسرائيل التي كانت على حدوده، أرسل جيشه إلى اليمن كي يُحارب شعبه، أما صدام حسين فلم يحرق لا نصف إسرائيل ولا أطلق رصاصة واحدة عليها، بل وجَّه ما أسماه “جيش القدس” إلى احتلال الكويت، وحينها أطلق شعاره المشهور “الطريق إلى القدس تمر من الكويت”، بينما القذافي اكتفى بالتهديدات، وراح يدعم ميليشيات إرهابية عربية وغير عربية، وأخيراً سلم كل برنامجه النووي إلى الولايات المتحدة، وحتى ذلك لم يشفع له، وثار عليه شعبُهُ ليسحله في شوارع ليبيا، فيما انتهى صدام مشنوقاً بحبل جرائمه.
هذه النماذج العربية الثلاثة تجمَّعت في نظام الملالي، فهو يتبع السياسة ذاتها، من قمع للمُعارضين في الداخل، إلى الاستمرار بتهديد دول الجوار، ودعم ميليشيات إرهابية في دول عربية عدة، وصولاً إلى برنامج نووي بدأه الشاه محمد رضا بهلوي سلمياً، فيما يسعى الملالي إلى تحويله عسكرياً، وإطلاق سباق تسلح في المنطقة.
في العام 1967 وفي ساعاتٍ عدة، انتهت أسطورة التهديدات الناصرية بتدمير إسرائيل 170 طائرة حربية لمصر وهي جاثمة على الأرض، بينما صدام حسين وفي مثل هذه الأيام من العام 1991، حين بدأت عملية تحرير الكويت، هرَّب طائرته إلى إيران التي اعتبرتها غنيمة، ولم تُعدها للعراق حتى بعد سقوط نظامه، وهيمنة القوى الطائفية المدعومة منها عليه.
اليوم، تُطلق إيران مناورات استعراضية ضخمة على سواحل بحر عمان أسمتها “اقتدار 99″، فيما هي تعجز عن الرد على القصف الإسرائيلي اليومي لحرسها الثوري في سورية، أي تتلقى الصفعات وتكتفي بالشتم والتهديد.
العجز الإيراني هذا يُماثل عجز عبدالناصر، وصدام حسين، ومعمر القذافي، فطهران التي تدخلت منذ خمس سنوات ونصف السنة في اليمن، توحي عبر عميلها الحوثي أنها حققت انتصارات هائلة وكبيرة على التحالف العربي، وأن عصابات الحوثيين باتت على تخوم الرياض، بينما الحقيقة أنَّ الجحور في تلال صعدة تضيق بالهاربين إليها.
أما في لبنان، حيث يخرج علينا حسن نصرالله، بين حين وآخر، مُتوعداً بتدمير إسرائيل، وهو لا يجرؤ حتى على الخروج من سردابه، وهو في ذلك لا يختلف عن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الذي خرج أول من امس من جُحره متبجحا بقوله: “إن طهران لن تقبل أي شرط مسبق لرفع العقوبات عنها، وإذا أرادت واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي فعليها العودة إلى الاتفاق السابق المُوقَّع عام 2015”.
ربما على قادة نظام الملالي الذين يُحاذرون التنقل في طهران، إما خوفاً من الغضبة الشعبية، وإما من التصفية الجسدية بعد العمليات التي نفذتها إسرائيل في عُقر دارهم، وقتلت قادة مشروعهم النووي، أن يعودوا إلى قراءة سير جمال عبدالناصر وصدام حسين ومعمر القذافي، فربما يعتبرون منها، ويدركون أن التهديدات والعنتريات لا تُغني ولا تُسمن من جوع، ولن يختلف مصيرُهم عن مصير طاغية العراق وديكتاتور ليبيا.