الفقير في نظر هذا الشاعر لا وزن له ولا قيمة وكان موضع استهجان وذم الناس وعيبهم، ولا ذنب له سوی أنه فقير، فالمال هو من يرفع المرء وينزله، فالفقير مهان والغني مكرم ومبجل وبيت الشعر للفارس العربي المشهور عروة بن الورد يخاطب به زوجته التي لامته على كثرة مخاطرته بنفسه وخافت عليه من القتل فقال لها هذا البيت ضمن أبيات وقد بدأ بيت الشعر بذريني وهو فعل أمر يعني اتركيني وشأني، وماذا قال عن الفقير أيضا؟ هو يقول:
وأهونهم وأحقرهم عليهم
وإن أمسى له نسب وخیر
الفقير بعيد عن الناس بسبب فقره مهان بذنب لم تقترفه يداه مستصغر في عيونهم حتى إن كان له نسب من أجل فقره فقيمة الرجل ما يملك عند الناس، وواضح أن الشاعر يشعر بالأسى والمرارة لفقره وأنه يتطلع الى الغنى ويسعى له وإن خاطر بنفسه، وعلى نفس السياق يقول أيضا:
ويقصيه القريب وتزدريه
حليلته وينهره الفقير
حتى قريب القرابة منه يبعده ويصده ولا يريد رؤيته، أما زوجته فمادام فقيرا فهو في نظرها لا شيء تستخف به وتحتقره وربما تركته وكذلك الصغير إذا رآه استهان به وزجره، كل ذلك لأنه فقير، والآن لنذهب الى الغني ونر حاله، يقول عروة الصعاليك:
ويلقى ذو الغنى وله جلال
يكاد فؤاد صاحبه يطير
الغني على الضد من الفقير فله عظمة في عيون الناس ومهابة ورفعة وسمو حتى ان صاحبه يفرح به ويبتهج لا لخلقه وإنما لماله، ويصف الغني أيضا بصفات أخرى فيقول:
قليل ذنبه والذنب جم
ولكن للغنی رب غفور
الغني ذنبه مغفور وإن عظم وإن أخطأ فهو على حق، وكل ما يفعله جميل لأن المال يغطي العيوب، فما قعودي هنا وتركي طلب المال والثراء، وشاعرنا هذا أشهر صعلوك عرف في العصر الجاهلي وليس ذلك فحسب وإنما أمير الصعاليك وهو فارس من فرسان العرب وجواد من أجوادهم، وقد لقب بعروة الصعاليك لجمعه إياهم والقيام بأمرهم ولعروة ذكر حسن في حرب داحس والغبراء، وهو عروة بن الورد بن زيد بن عبدالله بن ناشب العبسي، قال صاحب الأغاني انه شاعر من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها المعدودين المقدمين الأجواد، قال عمر بن الخطاب للحطيئة الشاعر: كيف كنتم في حربكم، يعني داحس والغبراء؟ فقال: كنا ألف حازم، قال: وكيف؟ قال: كان فينا قيس بن زهير وكان حازما وكنا لا نعصيه، وكنا نقدم لاقدام عنترة بن شداد، ونأتم بشعر عروة بن الورد وننقاد للربيع بن زياد، وقد توفي عروة قبل الهجرة بخمس عشرة سنة. وأكتفي بهذا القدر.