في أول تصريح لسموه بعد إعادة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، رفع الشيخ صباح الخالد غصن الزيتون للأغلبية النيابية، رغم أن شُبهات الحل أو الإلغاء تحوم حول مجلس الأمة، ومع ذلك، لا بأس أن تكون الحكومة الجديدة مُتسلحة بالقدرات والإمكانات التي تؤهلها لمواجهة المجلس، وهذا بالدرجة الأولى يستدعي أن يرفع سمو الرئيس غصن الزيتون للشعب الذي انتخب النواب، وهو وحده يُقرر من سيعود منهم إلى قاعة عبدالله السالم، أو يخرج منها.
حدَّد الخالد جملة أولويات، قال إن الحكومة العتيدة ستعمل عليها، أولاها “تطوير البيئة الاقتصادية”، ولا ندري إذا كان سموه يدرك جدياً أنَّ ثمَّة قرارات وقوانين صدرت خلال المرحلة الماضية جعلت الكويت طاردة للاستثمارات، وكيف يُمكن التطوير في ظل قرارات أقل ما يُقال عنها إنها “هبلة” بكل ما تعني الكلمة من معنى؟
من تلك القرارات غير الواقعية، مثلاً، والتي لا يُمكن أن تبعث الطمأنينة عند المستثمرين ما سُمِّي “قرار الستين”، إذ كيف لمستثمر أسَّس شركة وعمل على تنميتها أن نقول له لا تستطيع أن تجدد إقامتك لأن عمرك تخطى الستين عاماً، أو موظف أمضى فترة طويلة في العمل بمؤسسة كويتية، وأصبح يعرف كلَّ شيء فيها نحرم صاحب العمل منه لأنه تخطى السن المُقرَّرة في ذلك القرار؟!
في الدول كافة، تستعين الحكومات والقطاع الخاص بأصحاب الخبرات، فالبيت الأبيض الأميركي استعان خلال جائحة “كورونا” بمغربي، وكذلك الصين استعانت بعراقي لتحقيق نهضتها الاقتصادية، بينما الدول العربية المجاورة، والخليجية تحديداً، أقرت قوانين تشجع المستثمرين على توظيف أموالهم فيها، بل إنها فتحت أبواب الفرص للمقيمين لإنفاق أموالهم داخلها، ولم تحدد سناً معينة لهم، ففي السعودية من يستطيع دفع الرسوم التي أقرَّتها الحكومة يبقى في البلاد، وليس شرطاً عمره.
هذا الأمر هو ضربٌ للقطاع الخاص الذي عليه أن يتحمَّل وزر تلك القرارات غير المدروسة، بل تمنعه من التطور، ولهذا نسأل هنا غرفة التجارة عن دورها في هذا الشأن، وكيف لا تدافع عن نفسها وعن القطاع الذي بات يرزح تحت عبء قرارات وقوانين تجعل الكويت غير قادرة على مواكبة التطورات العصرية؟
الأولوية الثانية التي أعلنها سمو الرئيس هي: “تحقيق الرخاء”، فهل يُمكن لسموه أن يُجيب عن سؤال بديهي تطرحه غالبية الكويتيين، وهو: كيف يمكن أن يتحقق ذلك في ظل وجود 120 ألف أسرة كويتية مُهددة بتعثر حياتها جرّاء أزمة القروض الشخصية التي تعاني منها، وجعلت أرباب أسرها يُعانون من الملاحقة القضائية، بسبب التسويف في معالجة قضية مضى عليها سنوات من دون تحقيق أي تقدم، بينما يستغلها النواب والمرشحون في كل انتخابات لزيادة رصيدهم الشعبي؟
كيف يُمكن تحقيق الرخاء فيما أزمة الإسكان لاتزال منذ عقود من دون حل، ويومياً يزداد عدد المحتاجين للسكن، بينما تنفق الدولة على بدل السكن عشرات ملايين الدنانير سنوياً، ويبقى الكويتي بين 15 و20 عاماً ينتظر دوره للحصول على الأرض والقرض؟
الكويتيون يا سمو الرئيس لا يطلبون الكثير، وليس ما يرفعه النواب من شعارات من مطالبهم، فالعفو الشامل، وإعادة الجنسيات المسحوبة، اللذان جعلهما هؤلاء قميص عثمان يُلوِّحون بهما بوجه الحكومة، ليسا مطلباً شعبياً، فالهاربون من أحكام قضائية أو من زوروا جنسياتهم، لهم مسار معروف وعليهم اتباعه إذا كانوا يريدون العفو أو تصحيح وضعهم، أما جعلهما القضية الأهم فهذا يعني تخلي النواب عمّا قدَّموه للناخبين كي يصلوا إلى البرلمان.
الكويتيون يا سمو الرئيس لا يُطالبون بمزيد من تشريعات مكافحة الفساد، فلدينا ترسانة إذا طبقت تقضي على هذه الآفة، بل إنها توفر المليارات للدولة التي تعاني حالياً من الخفض المستمر لتصنيفها الائتماني السيادي، ولا شكَّ تدرك سموك ماذا يعني ذلك، وآثاره السلبية على الاقتصاد الوطني وسمعة الكويت المالية عالمياً.
في ظلِّ جائحة “كورونا” التي يُعاني منها العالم، وليس الكويت فقط، لا يُريد الكويتي الشعارات، ويُدرك أنَّ الصفقات بين بعض الكتل النيابية والحكومة تكون وبالاً عليه وليست لما فيه خير الكويت، فهو ينتظر التحفيز المالي الذي يخرجه من أزمته، ويعيد الروح إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذي يُحرِّك المياه الراكدة حتى في المشاريع الكبيرة، وهو يتوقع انفتاحاً يُماثل ذلك الذي بدأته دول مجاورة وهاهي فوائده تظهر للعلن.
سمو الرئيس
نُكرر القول: إن غصن الزيتون الذي رفعته للغالبية النيابية يجب أن ترفعه إلى الشعب فهو سلاحك، والداعم الأكبر لحكومتك ولأي حكومة، التي للأسف تبقى مأكولة مذمومة لأنها لا تلبي مطالب الناس، وتترك الأمر للنواب يُصوِّرون أي خطوة إصلاحية أو شعبية على أنها نتيجة لمواقفهم، وبالتالي فهي تخسر أكثر مما تربح، فهل ستتغير الحال مع الحكومة العتيدة، وتسمعون سموكم صوت الناس، أم ستبقون تعيشون في دائرة الارتجالية والقرارات والقوانين غير الواقعية؟