كثيرا ما كنا نسمع آباءنا وأمهاتنا يقولون لمن عاد له عزيز: قرت عينك، أي رأيت ما يرضيك فسر الله عينك به، وكانت الإجابة على قرت عينك هي: بوجه نبيك، أي برؤية النبي صلى الله عليه وسلم وهي غاية المنى والأمل لكل مسلم، وهذا المثل أصله عربي فالعرب تقول: أقر الله عينك، بمعنى أبرد الله دمعتك، لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة وأقر مأخوذة من القرور وهو الماء البارد، وهناك من يذكر ان معنى أقر الله عينك نفس المعنى الشعبي عندنا وهو صادفت ما يرضيك فتقر عينك من النظر إلى غيره، يقول
الشماخ بن ضرار الذبياني:
كأنها وابن أيام تريبه
من قرة العين مجتابا دیابود
والمعنى كأنهما من رضاهما بمرتعهما وترك الاستبدال به مجتابا ثوب فاخر، فهما مسروران به، ودیابود ثوب نسج على نيرين وهو فارسي معرب، وقال أبو عمرو بن العلاء: أقر الله عينه بمعنى صادف سرورا أذهب سهره فنام، يقول عمرو بن كلثوم:
بيوم كريهة ضربا وطعنا
أقر به مواليك العيونا
أي نامت عيونهم لما ظفروا بما أرادوا، والضد من أقر الله عينه قولهم: أسخن الله عينه والمعنى أن تبكي العين بدموع حارة من الحزن وهو مشتق من السخون بمعنى الماء الحار، ويقال: من سخنة العين وهو كل ما أبكاها وأوجعها وفي ذلك يقول ابن الدمينة:
یا سخنة العين للجرمي إن جمعت
بيني وبين هوی وحشية الدار
والحقيقة أن قرة عين المؤمن نعيم الجنة، وقد وردت قرت عين في القرآن الكريم ففي سورة السجدة يقول المولى عز وجل: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون «17» وفي سورة القصص: وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون (9) وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: وجعلت قرة عيني الصلاة، يقول ابن الأبار البلنسي
يا قرة العين إن العين تهواك
فما تقر بشيء غير مرآك
ويقول العباس بن الأحنف:
يا قرة العين يا من لا أسميه
يا من إذا خدرت رجلي أناديه
والمشهور قول عمرو بن سفيان المشهور بمعقر البارقي:
وألقت عصاها واستقر بها النوى
كما قر عينا بالإياب المسافر
وقد شرح المعنى المفضل بن سلمة الضبي في كتابه الفاخر في الأمثال، وهذا الرجل من كبار علماء اللغة في العصر العباسي واسمه كاملا: المفضل بن محمد بن علي بن عامر بن سالم بن أبي سلمى بن ربيعة بن زياد بن عامر بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد مالك بن بكر بن سعد بن ضبة، ابو العباس، وهو راوية وعالم بالشعر والأدب وأيام العرب وكان أول من جمع المعلقات السبع ومعه حماد الراوية، اختاره أبو جعفر المنصور لتدريب ابنه وولي عهده محمد المهدي، وله كتاب الاختيارين والألفاظ والعروض ومعاني الشعر، ذكر أنه أوثق من روى الشعر من اهل الكوفة، لا يعرف تاريخ ولادته إلا أن الواضح أنها قبل المئة للهجرة وقد توفي سنة مئة وثمان وستين. وأكتفي بهذا القدر.