لم تعد الإجراءاتُ الاحترازيّةُ، التي يأمر بها الحاكمُ العرفيُّ الصحيُّ وتنفذها الحكومة، ذات جدوى، بعدما تحوَّلت عبئاً على الناس، وأصبحت خليطاً بين المهزلة والمأساة، في ظلِّ غياب رؤية واضحة للسلطة التنفيذية في كيفية إدارة الشأن العام، المُرهق أساساً من أطول فترة إقفال عرفها العالم، والمستمرة بشكل أو بآخر، بتضييق الحبل على عنق اقتصاد يُعاني من أمراض عدة سببها الوضع السياسي الشاذ الذي غرقت فيه البلاد منذ سنوات.
الأزمة المالية والاقتصادية الحالية أكبر بكثير من مجرد قرارات تصدرها اللجنة المسؤولة عن إدارة مواجهة “كورونا”، ولا تضع في حسبانها التبعات السلبية الأكثر تأثيراً من انتشار الفيروس، ففي حين يُقدم وزير الصحة رؤيته لتلك الإجراءات ألا يُناقشه وزير المالية في المصاعب المالية المُترتبة على المواطنين؟! أو ألا يعرض وزير التجارة أمام مجلس الوزراء التبعات الخطرة للإقفال غير المدروس، أو يقدم وزير الداخلية رؤيته وتوقعاته لمواجهة غضب الناس، والجرائم التي يتسبب بها قطع أرزاق الناس؟
هذا الأمر يقودنا إلى سؤال آخر وهو: هل كانت الحكومة على قدر المسؤولية في الإقفال السابق، وقدمت بدائل للمواطنين، أم أنها وضعت خطة تحفيز خيالية ومليئة بالألغام والعوائق؛ كي لا تنفق من المال العام فلساً واحداً؟
هل الفيروس القاتل لا ينتشر إلا في صالونات الحلاقة والنوادي الرياضية والمشاريع الصغيرة فقط، وطبعاً بعدها سيجري إقفال البقالات ومحال الألبسة وغيرها من المرافق الخدماتية الصغيرة؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو، فماذا ستقدم الحكومة للمُتضررين؟ هل ستكون مثل الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت إجراءات تحفيز للمرة الثالثة، أو كما فعلت ألمانيا وبريطانيا، بل بعض الدول الأقل ثروة من الكويت؟ وهل استفادت الحكومة من التجارب السعودية والإماراتية والبحرينية في هذا الشأن التي قدَّمت دعماً للمواطنين من دون أي عوائق، أم أنها ستكتفي بتنفيذ أوامر الحاكم العرفي الصحي فقط؟
لا شكَّ أنَّ الحكومة في ضياع، وهو ما سيؤدي لمزيد من القرارات الخاطئة، ويؤجج نقمة المواطنين عليها، فهي بكل بساطة أثبتت عدم امتلاكها خطة واضحة ليس لمعالجة هذه الجائحة فقط، بل غياب خططها في إدارة كل شؤون البلاد، وهنا تكمن المأساة التي يدفع المواطن ثمنها، فيما المهزلة أن السلطة التنفيذية مستمرة بالعمل وكأنها ديوانية وليس مجلس وزراء يُفترض أنه يضمُّ نخبة من أصحاب العقول المُخططين والمُتخصصين بأمور وزاراتهم، التي يبدو أن مناصبها أصبحت للوجاهة وليس لحماية مصالح البلاد.
حين نرفع الصوت عالياً ونقول: إن الحكومة لا تعرف كيف تشتغل، تعيبون علينا ذلك، فيما تخبُّطها يدل على أنَّ القادم أسوأ، إذا لم تدرك أن المال يُعادل الروح، وأن حماية الناس من جائحة ما تتطلبُ، أيضاً، حمايتهم من الفقر.