يُروى أنَّ أحدهم أتى إلى لقمان الحكيم، ومعه شاة، وقال له: “اذبحها وائتني بأطيب مُضغتين فيها”، فذبحها وجاء باللسان والقلب، ثمّ في اليوم التالي أتى الرجل نفسه بشاة أخرى وقال له: “اذبحها وائتني بأخبث مُضغتين فيها”، فأتاه بالقلب واللسان أيضاً، فتعجَّب الرجل من ذلك، فما كان من لقمان إلا أن قال: “ليس شيئاً أطيب منهما إذا طابا، ولا شيء أخبث منهما إذا خَبُثا”. جرت هذه الحادثة أمام ابن لقمان وقد أراد والده أن يُعلمه درساً في الحكمة والقيادة.
حضرتني هذه القصة وأنا أتابع قرارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في شأن تطوير البيئة التشريعية التي تُمثِّلُ موجة جديدة من الإصلاحات وركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوح حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام، فالقانون وترسيخ العدالة أطيب ما في قوة الدول.
هذه النقلة النوعية في الأحكام والتشريعات هي الطريق القويم لتطور أي دولة، والمملكة العربية السعودية أطلقت ثورتها هذه مع بداية عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، إدراكاً من قيادتها أنَّ القانون أساس تطور المجتمع.
في السابق كانت الأحكام تصدر وفق مرئيات القاضي، وكثيراً ما كان يقول المحامون: “إن الحكم يعتمد على مزاج القاضي”، وليس على الأدلة والمستندات، وهو ما كان يُشكِّل عقبة كبيرة أمام حركة الاستثمار الأجنبي في المملكة؛ لأنَّ المُستثمرين يسعون إلى بيئة آمنة، مُنخفضة المخاطر، لكن كل هذا بدأ يتغير منذ سنوات قليلة، حين أخذت المملكة تستعيد وجهها المشرق الذي حاول المتزمتون والإخوان المسلمون، عندما كانوا يتحكمون بمؤسساتها، طمسه وإظهارها بصورة الدولة المُتخلفة القائمة على مبدأ خذوه فغلوه، وهو ما كان يُسيء إليها في العالم.
لا شكَّ أنَّ التغيير الجذري مبنيٌّ على قناعات واقعية وهو ما عبَّر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتشديده على أن “تحديث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق تُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتُحقّق التنمية الشاملة، وتُعزِّز تنافسية المملكة عالمياً من خلال مرجعيات مؤسسية إجرائية وموضوعية واضحة ومحددة”، وهو ما ستكون له تأثيراته الإيجابية على الاقتصاد والمجتمع وعلاقات السعودية مع العالم، الذي يجد كل يوم تطوراً كبيراً في رؤية المملكة ودورها الإقليمي والدولي.
نعم، سيُسجل التاريخ أن عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز هو عهد التجديد، فإذا كان تأسيس الدولة السعودية الثالثة بدأ قبل مئة عام مع الملك عبدالعزيز، فهي اليوم تدخل مع لقمان العصر الحديث مئة عام جديدة قوامها العصرنة التي تسير إليها بخطى ثابتة بتوجيهاته، وعمل دؤوب من ولي عهده الشاب.