اللهمَّ لا اعتراض على حُكمك وقَدَرك، ولك الحمدُ على كلِّ حال. اللهم إنا لا نسألك ردَّ القضاء، ولكن نسألك اللُّطف فيه.
لا بدَّ لكلِّ كويتيٍّ أن يتوجه بهذا الدعاء إلى العلي القدير، بعد متابعته جلسة مجلس الأمة، أول من أمس، التي أعلن فيها وزير الصحة أن فيروس “كورونا” مستمرٌّ معنا إلى يوم القيامة، وهو ما أثار مخاوف الجميع، إذ رغم تشديده على التحصين عبر اللقاح، فهو أثار الهلع بين الناس الذين كانوا، ومازالوا ينتظرون بارقة أمل من سلطة تنفيذية مُستقيلة، فيما يبدو أنها غير مستعجلة في معالجة أزمات البلاد.
أما في المقابل فهناك سلطة تشريعية تعيش في كوكب آخر، ولا يهمها أيُّ شيء غير الإصرار على العفو عن مجموعة هاربة من وجه العدالة، لا يتعدى عددها أصابع اليدين، وبالتالي فإنها ترهن مصير البلاد بهذه الفذلكة العبثية، وهو ما يدل على انعدام المسؤولية لدى الطرفين، اللذين من المفترض أنهما الأحرص على مصلحة البلاد والعباد، وتأمين استمرارية الدولة، وليس إضعافها بهذا الشكل المقيت.
نعم، اللهمَّ لا اعتراض، لكن في مواجهة جائحة من هذا النوع، عملت كلُّ حكومات العالم على وضع إجراءات تحمي مواطنيها واقتصادها، وتضمن ديمومته، فماذا فعلت الحكومة الكويتية؟ هل حمت المواطنين، أو قدَّمت ما يُؤمِّن لهم الحد الأدنى من الأمن الاجتماعي والاقتصادي؟
وإذا أخذنا بكلام وزير الصحة، فإنَّ الوضع الشاذ سيُصبح أمراً عادياً في حياة الكويتيين، الذين هم حالياً في بحر متلاطم الأمواج، يُغرقهم بالمزيد من الأزمات، فالمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يتغنى الجميع بحمايتها، تكبَّد أصحابُها الخسائر الكبيرة، والألف دينار المساعدة التي ستصرفها الحكومة لن تفيدهم، أما المشاريع الكبرى فحدِّث ولا حرج عن خسائر ضخمة مُنيت بها خلال العام الماضي، وستستمرُّ تتفاقم مادامت المعالجة الصحيحة غائبة، والقرارات الارتجالية تصدر وكأنَّ إدارة البلد مجرد ديوانية وليست دولة.
مع بداية الأزمة، أعلنت الحكومة خطة تحفيز، لكن للأسف اكتشفنا أنها خطة تعجيز، ولقد دفعت إلى إفلاس كثير من أصحاب المشاريع، فيما الحسنة الوحيدة كانت تأجيل القروض ستة أشهر، لكنها تحوَّلت سيئة وكارثة على المقترضين، فالبنك المركزي، وفور انتهاء المدة أمر البنوك بتحصيلها من دون مراعاة أنَّ البلاد مرَّت بأطول فترة إغلاق شهدها العالم، وإذا تعثر أحدهم كانت المحكمة بانتظاره، وهو ما أدى أيضاً إلى اكتظاظ قصور العدل بالمُتقاضين، ولجوء عدد كبير من المتضررين إلى قانون الإفلاس، فهل أدرك مجلس الأمة والحكومة نتيجة ألاعيبهما العبثية بالبلاد والعباد؟
قلناها مراراً ونكررها اليوم، كلُّ دول العالم، والخليجية في المقدمة، وضعت خطة دعم للمواطنين والاقتصاد وعززت أموالها السيادية في الوقت نفسه، أي حولت الأزمة فرصة، فعملت على ضمان القروض، إضافة إلى أنها رفعت من الاقتراض بالعملات الأجنبية طويلة الأجل بفوائد متدنية، واشترت أسهماً في شركات التكنولوجيا والأدوية التي ارتفعت خلال الجائحة، وعززت محفظتها العقارية الدولية، بينما في الكويت طلبت الحكومة والبنك المركزي من الحافي نعاله، الذي لا شك سيسير حافياً، وتدمي الحجارة والحصى قدميه.
من المُتعارف عليه في كلِّ العالم، في القضايا السيادية، يكون الأمر للسلطة التنفيذية والقيادة التي تضع الإجراءات لمواجهة أي كارثة، طبيعية أو صحية، أمنية وسياسية، والجميع يلتزم بها، ولا تتحجج برفضها من مجلس النواب، فالأحكام العرفية التي أعلنتها فرنسا وغيرها من الدول، مثلاً، أقرتها الحكومة، ولاحقاً صادق عليها البرلمان، بينما في الكويت، هربت السلطة التنفيذية من المواجهة إلى رمي المسؤولية على مجلس الأمة، الذي بدوره يرميها عليها، فهو غير مسؤول أمام الشعب، والكويتيون لن يسألوا النواب ماذا فعلتم، بل ستكون الحكومة والقيادة مُتهمة بالتقصير، وهي يجب أن يكون لديها من الخبراء والعقول الاقتصادية التي تُخطط، ليس لمواجهة جائحة أو كارثة، بل لثلاثين سنة.
نعم، هناك مجالس نيابية تُحَلُّ إذا لم تنسجم مع قرارات السلطة التنفيذية حين يتعلق الأمر بقضية حساسة، فيما في الكويت، وللأسف، يحل مجلس الأمة كي لا يصعد وزير منصة الاستجواب، أما قضايا مصيرية كهذه يكاد التسويف فيها يضيع البلاد، يرمي كلُّ طرف المسؤولية على الآخر.
الحكومة حالياً بطة عرجاء، فهي لتصريف العاجل من الأمور، ولا يبدو أنَّ رئيس مجلس الوزراء مستعجلٌ لإعلان حكومة أصيلة، ووفقاً للقاعدة المعمول بها بهذا المصطلح في البورصة البريطانية، البطة العرجاء تعني كثيراً من الأمور، فهل تدفع الحكومة والمجلس الكويتيين والبلاد إلى العيش في دوامة أزمات، بينما الحلول واضحة وبسيطة؟