وجرت العادة على أن يتصل أي رئيس أمريكي جديد برئيس وزراء إسرائيل بعد فترة ليست بطويلة من تنصيبه، باعتبار أن تل أبيب تعد من أهم حلفاء واشنطن في المنطقة، حيث اتصل الرئيس الأمريكي السابق على سبيل المثال بنتانياهو بعد يومين فقط من تنصيبه في 2017.
وما حدث هو أنه بعد 4 أسابيع كاملة من تنصيب بايدن تلقى نتانياهو أخيراً اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكي الأربعاء الماضي.
وفي هذا الشأن، يقول الخبير الاستراتيجي الأمريكي، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية سابقاً دوف زاكهايم، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية إن “هذا الأمر استغرق وقتاً طويلاً، مما أثار قلق نتانياهو والعديد من الإسرائيليين”.
وقال زاكهايم إنه “بعد 4 سنوات من حصول نتانياهو على كل ما يريده من الرئيس السابق دونالد ترامب، ومع عمل السفير الأمريكي ديفيد فريدمان كمشجع للتوسع الاستيطاني، من الممكن أن يكون صعود جو بايدن إلى الرئاسة مجرد تراجع في المكانة بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي”.
وتعتبر حقيقة أن نتاينياهو أول مسؤول كبير في الشرق الأوسط يتلقى اتصالاً مباشراً من بايدن عبر الهاتف، بمثابة تعويض ضئيل عن فقدانه للرجل الذي كان يعتبره صديقه الحميم في البيت الأبيض والذي كان يأمل في فوزه بفترة ولاية ثانية.
ويضيف زاكهايم، نائب رئيس مركز ناشونال انتريست الأمريكي أن “البيت الأبيض يصر على أن تأخر بايدن في الاتصال هاتفياً بنتانياهو لم يكن ازدراء مقصوداً، و أن محادثة بايدن ونتانياهو كانت “مهذبة”، ولكنها “ليس محادثة دافئة بشكل خاص”، حيث شدد بايدن على علاقته الطويلة والودية مع إسرائيل، وليس مع رئيس الوزراء شخصياً”.
ويرى زاكهايم أنه إذا كان من المفترض أن تكون المكالمة الهاتفية المتأخرة بالفعل رسالة إلى نتانياهو بأنه لم يعد يحظ بالود من جانب البيت الأبيض، “فمن المؤكد أنه يستحق تلقيها”.
فقد كان نتانياهو يتملق ترامب بالطريقة التي كان يتملق بها ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأشار إلى أن نتانياهو سار على خطى ترامب من جميع النواحي الممكنة، وذهب إلى حد ترديد عبارات طنانة كان ترامب يستخدمها مثل “الأخبارالكاذبة” عند مهاجمته لوسائل الإعلام الخاصة به.
ولكن كانت الطريقة التي سعى بها للتأثير على السياسة الأمريكية تجاه إيران هي التي أدت إلى نفور العديد من الديمقراطيين، وليس فقط أولئك الذين ينتمون إلى ما يسمى بالجناح “التقدمي” للحزب الذين لم يكن لديهم في أي موقف سوى القليل من الود لدولة إسرائيل.
ويقول زاكهايم إن “لنتانياهو كل الحق في معارضة الاتفاق النووي مع إيران، إلا أنه تجاوز خطأ أحمر دبلوماسياً عندما “ألقى محاضرة” في مايو (أيار)2011 على الرئيس الأسبق باراك أوباما في المكتب البيضاوي في ظل تواجد وسائل الإعلام، واعتبر الكاتب ذلك بأنه عمل به “وقاحة” لدرجة أنه أثار حفيظة العديد من الديمقراطيين”.
وبعد 4 سنوات من ذلك الاجتماع في المكتب البيضاوي، سلك نتانياهو مرة أخرى طريقه لانتقاد إدارة أوباما، حيث قبل دعوة رئيس مجلس النواب آنذاك جون بينر للتحدث أمام جلسة مشتركة للكونغرس دون أن يكلف نفسه عناء إعطاء إشعار مسبق كاف للبيت الأبيض. وبفعله ذلك، بناء على نصيحة رون ديرمر، سفيره في واشنطن وهو عضو جمهوري سابق حيث أنه إسرائيلي أمريكي، قوض نتانياهو بشدة أي مصداقية متبقية بالنسبة له لدى الديمقراطيين.
وقال زاكهايم إنه “علاوة على ذلك فقد أهان نتانياهو بايدن أيضاً، وكانت المرة الأولى في 2010، خلال زيارة بايدن إلى إسرائيل عندما أعلنت تل أبيب عن خطط لبناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية، في تحد لتوجيهات إدارة أوباما التي ارتأت عكس ذلك. وأصر نتانياهو على أنه لا يرغب في إحراج بايدن وأن أحد وزرائه اتخذ القرار دون علمه”.
ولكن تلك الحجج لم تلق آذاناً صاغية في واشنطن، حيث أنه عندما يتعلق الأمر بالإسكان في القدس الشرقية، أو فيما يتعلق بالتوسع الاستيطاني، لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي مجرد متفرج.
وفي الواقع، قبل 9 أيام من تنصيب بايدن، وافق نتانياهو على خطط لبناء 800 وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية. هذه المرة لم يحاول على الإطلاق إخفاء من هو المسؤول عندما يتعلق الأمر بالتوسع الاستيطاني.
وحتى بعد فوز بايدن بانتخابات الرئاسة، انتظر نتانياهو 5 أيام كاملة بعد الانتخابات قبل أن يغرد أخيراً لتهنئة الرئيس المنتخب مع تأكيده على “علاقته الشخصية الطويلة والدافئة لما يقرب من 40 عاماً”. لكن حتى ذلك الحين، كان حسابه على تويتر لا يزال يحمل صورة له مع دونالد ترامب.
وخلص التقرير إلى أن تحمُّل بايدن عناء الاتصال بنتانياهو كان في حد ذاته “لفتة سخية للغاية” تنم عن شخصيته.