وعلى وقع شح السيولة ونضوب احتياطي المصرف المركزي المخصص لدعم السلع الاستهلاكية الرئيسية، ينبّه خبراء من أنّ “الأسوأ لم يحدث بعد”، في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، فيما تعجز القوى السياسية عن تشكيل حكومة تمضي قدماً باصلاحات عاجلة لضمان الحصول على دعم المجتمع الدولي.
ومنذ صباح الإثنين، أقفل المحتجون طرقاً عدة في العاصمة ومحيطها كما في مناطق عدة في الشمال خصوصاً طرابلس، وفي البقاع شرقاً، وفي جنوب البلاد.
وبدأ المحتجون تحركهم في الصباح الباكر بإقفال غالبية مداخل بيروت تحت شعارات عدّة بينها “يوم الغضب”، قبل أن يعمل الجيش على فتح بعضها، ويغلق محتجون طرقاً أخرى.
وأضرم محتجون النيران في مستوعبات للنفايات وأشعلوا الإطارات. كذلك، نصب عدد منهم الخيم في نقاط عدة على مدخل بيروت الشمالي.
وقالت باسكال نهرا، متظاهرة شاركت في قطع طريق رئيسي شمال بيروت، لوكالة فرانس برس “انتهى الأمر، لم يعد لدينا ما نخسره. حتى كرامتنا خسرناها”.
وتصاعد تحرك قطع الطرقات خلال الأيام الماضية بعدما سجّلت الليرة انخفاضاً قياسياً غير مسبوق منذ دخول لبنان دوامة الانهيار الاقتصادي قبل عام ونصف العام. واقترب سعر الصرف في مقابل الدولار من عتبة 11 ألفاً في السوق السوداء التي هي “عرضة للتلاعب والمضاربة” بحسب خبراء.
وقال المتظاهر أنطوني دويهي “الشعب والبلد مات وانهار، إذا لم ننزل الآن ونواجه ونضحي، ستحكمنا هذه السلطة الفاسدة لثلاثين عاماً إضافياً”.
واعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد ترؤسه اجتماعاً أمنياً اقتصادياً للبحث في التطورات، أنّ “قطع الطرقات مرفوض” و”يتجاوز مجرد التعبير عن الرأي إلى عمل تخريبي منظم يهدف إلى ضرب الاستقرار”، وفق مقررات الاجتماع. واتفق المجتمعون على مطالبة الأجهزة الامنية والعسكرية بـ”عدم السماح بإقفال الطرقات”.
وبينما اعتبر عون أن ارتفاع سعر صرف الدولار “غير مبرر”، قرر المجتمعون العمل على اقفال “المنصات والمجموعات الالكترونية غير الشرعية المحلية” التي تحدد أسعار الصرف.
وباءت محاولات سابقة للسلطات للسيطرة على سوق الصرافة غير الشرعية بالفشل.
وفي وقت لاحق، أعلن قائد الجيش جوزف عون أن “الجيش مع حرية التعبير السلمي التي يرعاها الدستور والمواثيق الدولية لكن دون التعدي على الأملاك العامة والخاصة”.
ولم تسجل خلال الأيام الماضية أي مواجهات بين القوى الأمنية والعسكرية والمحتجين بعكس تحركات سابقة شهدتها البلاد.
ويشهد لبنان منذ صيف 2019 أسوأ أزماته الاقتصادية التي أدت الى خسارة العملة أكثر من 80% من قيمتها، وفاقمت معدلات التضخم وتسبّبت بخسارة عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم.
وتظاهر عشرات الآلاف من اللبنانيين بدءاً من 17 أكتوبر(تشرين الأول)2019 احتجاجاً على تدهور الاقتصاد وقيود مصرفية مشددة. لكنّ تحرّكاتهم تراجعت تدريجاً على وقع تفشي فيروس كورونا ومن ثم تشكيل حكومة حسان دياب التي استقالت إثر انفجار المرفأ المروع في 4 أغسطس(آب).
ورغم ثقل الأزمة الاقتصادية، لم تثمر الجهود السياسية والضغوط الدولية، عن تشكيل حكومة جديدة.
ويتبادل عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الاتهامات بالعرقلة وبوضع شروط مضادة.
ومنذ انفجار المرفأ الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وتسبب بإصابة الآلاف بجروح ودمار عدد من أحياء العاصمة، يكرر المجتمع الدولي لا سيما فرنسا، التي زار رئيسها إيمانويل ماكرون بيروت مرتين، مطالبة القوى السياسية بتشكيل حكومة وتنفيذ اصلاحات ملحة في مقابل دعم مالي يساهم بإخراج البلاد من مأزقها.
لكن القوى السياسية لم تحرك ساكناً بعد، ما يفاقم غضب اللبنانيين.
وربطت تقارير اعلامية بين ارتفاع سعر الصرف وانتهاء مهلة نهاية الشهر الماضي حددها مصرف لبنان للبنوك من أجل تحقيق شروط عدة على رأسها زيادة رأسمالها بنسبة عشرين في المئة وتكوين حساب خارجي حر من أي التزامات لدى بنوك المراسلة لا يقل عن ثلاثة في المئة من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية.
ويقول الخبير والاستشاري المالي مايك عازار لوكالة فرانس برس إن “الإصلاحات المطلوبة تمسّ مباشرة بنظام الزبائنية التابع للفرقاء السياسيين، الذي يتغذى من القطاع العام”، موضحاً أنه من شأن أي “هيكلة للقطاع المصرفي أن تضع جزءاً من العبء على المساهمين في المصارف وكبار المودعين، وهما فئتان مؤثرتان سياسياً”.
ويوضح “من الأسهل على القادة السياسيين عدم فعل أي شيء وتحميل الناس الخسائر تدريجاً، وحكم بلد أكثر فقراً، بدلاً من إجراء أي من الإصلاحات”.
وعلى وقع انهيار الليرة، شهدت محال بيع المواد الغذائية حوادث صادمة في الأيام الأخيرة، تخللها صدامات بين مواطنين لشراء ما توفر من سلع مدعومة.
وحذّر مرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهو مبادرة بحثية تهدف الى دراسة تداعيات الأزمات المتعددة وطرق مقاربتها، في تقرير الاثنين من أنه و”إن ظهرت تداعيات انهيار قيمة الليرة جلياً في تدهور القدرة الشرائية للبنانيين والمقيمين في لبنان، وما يرافق ذلك من تنافس محموم وأحياناً عنيف على ما يعرض من سلع وبضائع مدعومة في بعض المحلات، فأن الأسوأ لم يحدث بعد”.
ويتزامن اقفال الطرق مع دخول لبنان المرحلة الأخيرة من تخفيف قيود الإغلاق المشدد المفروض منذ منتصف يناير(كانون الثاني) للحد من التفشي المتزايد لفيروس كورونا.
وناشدت شركة كبرى للأكسجين في لبنان المواطنين “تسهيل مرور شاحناتها على جميع الطرقات لتلبية حاجة المستشفيات للأكسجين الطبي للضرورة الإنسانية خصوصاً خلال جائحة كورونا”.