يتوهَّمُ قادةُ طهران أنَّ تعدُّد المواقف الذي تزدحمُ به، يومياً، وسائل الإعلام، يوقع المجتمع الدوليَّ في فخ الخوف، فيما ليس ذلك إلا بلبلة ألسنة جعلها المولى -عزَّ وجلَّ- في ذلك النِّظام الذي تعدَّى كلَّ حدود الاجرام ضد الإنسانية، أكان داخلياً أو خارجياً، ومارس أعتى أنواع البطش والتنكيل بمواطنيه، فيما استنَّ سُنَّة الإرهاب والعدوان مساراً له علَّ ذلك يجعلُهُ يفرض إرادته على العالم.
فيما الحقيقة أنه كلَّما توغَّل هذا النظام في نفق الأزمات ازداد تخبطاً، واقترب أكثر من الهاوية، ففي الوقت الذي يحضُّ فيه المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي “الإدارة الأميركية على العودة للاتفاق النووي لبلاده دون أي شروط، وألا تضع العقبات أمام المسار الديبلوماسي”، فهو وفقاً للعُرف الديبلوماسي يعني “دون قيد أو شرط”، أي أنه يضع شروطاً مُسبقة.
وفي الوقت الذي يتحدَّثُ فيه روحاني وظريف عن الحوار والتعاون بين إيران ودول الجوار نجد في المقابل الحرس الثوري مُستمرّاً في ممارسة العدوان على الدول الخليجية، وبينما يُحرِّم علي خامنئي امتلاك السلاح النووي ينشر تغريدةً تحملُ في طياتها تأكيداً على سعي بلاده إلى امتلاك هذا السلاح بقوله: “لو كان لدى الجمهورية الإسلامية قرار بالوصول إلى سلاح نووي، لم يكن هو (يقصد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو) ولا من أكبر منه ليمنعنا من ذلك”.
ثَبُتَ منذ أربعة عقود أنَّ عنجهية التصريحات، وإقفال أبواب ونوافذ الحوار مع المجتمع الدولي زادت من عُزلة إيران كلها، وليس النظام فقط، حتى الدول التي لاتزال تقيم علاقات معها، تمارس الديبلوماسية الحذرة؛ لأنها تُدرك جيداً أنَّ نظام الملالي يقتل القتيل ويمشي في جنازته، وثمة براهين عدة في هذا الشأن، في سلوكه العدواني على الكويت، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، والعراق، وسورية، ولبنان، وفرنسا، وآخرها بلجيكا، التي زرع فيها إرهابيين بصفة ديبلوماسيين سَعَوْا إلى ارتكاب أعمال إجرامية ضد معارضين إيرانيين.
نتيجة هذا الواقع لا يُمكن للمجتمع الدوليِّ أن يثق بمن يرى بالحروب والقتل والإرهاب الوسيلة الوحيدة ليكون مقبولاً عالمياً، فيما تغيب عنه حقيقة أنَّ مَنْ مارسوا كلَّ هذه الأفعال المُستنكرة ذهبوا إلى مزبلة التاريخ، بدءاً من نيرون وليس انتهاءً بصدام حسين، وقبله هتلر وموسوليني وستالين، وغيرهم، الذين دمَّروا بلدانهم وأوقعوا شعوبهم في مأزق الجوع والعَوْز والفقر، بل ثمَّة بلدان أخرى ذهبت الى التفكك، مثل الاتحاد السوفياتي.
لقد أثبتت كلُّ تقارير مُراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنَّ طهران مُستمرة في رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى بكثير ممّا أُقرَّ في الاتفاق النووي، الذي كان قرار الرئيس ترامب حكيماً جداً بالخروج منه؛ لأنه أشبه بـ”مُعاهدة ميونخ” عام 1938، التي منحت هتلر الفرصة كي يستعدَّ لإشعال الحرب العالمية الثانية.
لا شكَّ أنَّ نفق الأزمات الذي أدخل نظام الملالي شعبه فيه، سيؤدي عاجلاً، وليس آجلاً، إلى تفكُّك هذه الأمة العظيمة، التي ابتُليت بمجموعة من شُذّاذ الآفاق، مازالوا يعيشون في ظلاميّة القرون الوسطى، ويُحاولون فرض رؤيتهم المُتخلِّفة على العالم.
لن تخرج إيرانُ من نفق أزماتها إلا بحلٍّ وحيد وهو نظامٌ يقومُ على الحرية ليس فيه عمائمُ ولحىً تتسلَّط على شعبها زوراً وبُهتاناً باسم الدين، وإلى أن يقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً، فقد كُتِبَ على ثمانين مليون إيراني الخضوع لهذه التجربة القاسية، ولكن إلى متى؟