هل يُصدق اللُّبنانيون أنَّ الطبقة السياسية المُتحكمة بمصائرهم تسعى إلى تشكيل حكومة لإنقاذ بلدهم من الانهيار وإخراجهم من جهنم التي بشَّرهم بها رئيس الجمهورية؟ وهل يتصوَّر نحو ستة ملايين نسمة أنَّ القلة المُتغوِّلة على دمائهم وقوتهم يهمُّها أن تتغير الحال إلى الأفضل؟
ففي بلد شهد ثالث انفجار غير نووي في العالم، دمَّر نصف العاصمة، وهدم أهم مرفأ فيها، ولم يتوصل التحقيق فيه إلى شيء، بسبب لعبة الكراسي المذهبية والحزبية، هل يُمكن أن يكون هناك حدٌّ أدنى من الضمير عند المجرمين؟
إنها الأسئلة المطروحة عربياً ودولياً، وليس لبنانياً فقط، لكنَّ الباحث عن الأجوبة كمَّن يُفتش، بليل، عن إبرة في كومة قش، لذا ثمة من يسأل: متى يتحد الجوعى ضد الطبقة السياسية التي أمعنت بإذلالهم، أم أن الشيطان الطائفي القابع في كلِّ واحد منهم، والولاء الحزبي الأعمى المُتفوق على الحرمان والإفقار الممنهج الممارس عليهم يمنعهم من سماع صوت العقلاء القلائل الذين ما زالوا يسعون إلى منع انهيار البلد؟
هذا الأمر يبدو صعب المنال، إذا لم يكن المُستحيلات في بلد كلبنان تتفوق فيه الشعارات الزائفة على الحقائق، والتضليل والتوظيف الحزبي على مصائر الناس، لذا كل ما يجري منذ 17 أكتوبر 2019 إلى اليوم، ليس أكثر من سيناريوهات وضعها أبالسة السياسة والمال، من الأحزاب والطوائف كلها، دون استثناء، لتوزيع أدوار إجهاض ثورة يُدركون أنها ستطيح بهم كلهم لو تيسَّر لها الخروج من دهاليز التوظيف الحزبي.
لم يسبق للشعب اللبناني طوال قرن أَنْ مَرَّ بهكذا أزمة، حتى في عز الحرب الأهلية، كان ثمة أمل لدى مختلف مُكوِّناته بالخروج من مرض الاحتراب إلى التعافي عبر التداوي بالمصارحة والمكاشفة، والخروج من أنفاق الصراع والانقسام، لذا كانت هناك فرصة لإعادة بناء دولة ما، ربما مختلفة عما سبقها، مُتعافية من علل صيغة طائفية مُهترئة، لكن كل هذا سقط في مستنقع توزع المصالح بين لاعبين صغار، مهما نفخوا أحجامهم يبقون مجرد دُمى، إما يُحرِّكها الخارج، على شاكلة حسن نصرالله وحزبه، وإما الأطماع الأنانية كما هي الحال مع بقية السياسيين.
كلُّ ما يجري في لبنان حالياً مرتب ومرسوم في غرف منظومة المافيا والميليشيا اللبنانية… نعم هذه المنظومة المُجرمة هي المسؤولة عن تحويل منارة الشرق مقلب نفايات لكل أوساخ العصابات، لذلك على اللبنانيين كافة ألا يُصدقوا أكذوبة التدخل الدولي والضغط الأميركي والفرنسي وغيره… وغيره، فهذه الفرية يُروِّج لها من يسعى إلى السياحة في الدم العربي من سورية والعراق، وصولاً إلى اليمن.
إنَّ القيمين على لبنان اليوم لا يريدون مؤسسات حكم قوية، بل مزارع مذهبية خاصة، لهذا لا تغركم أيها اللبنانيون تصريحات رئيس الجمهورية ذات النبرة القاسية ضد رئيس الوزراء المُكلف، أو رد الأخير عليها، فكلها مرتبة مسبقاً، ومحسوبة بالكلمة والنقطة والفاصلة، وخطاب الأراجوز نصرالله الذي لوَّح من خلاله بالحرب الأهلية يدخل ضمن هذه اللعبة، وكذلك الردود على ذلك الخطاب هي من أدوات اللعبة.