على أكثر من جبهة دبلوماسية تواصل سلطنة عُمان تحركاتها في المناطق الأكثر توتراً في العالم بهدف إحلال السلام ووقف النزاعات، إذ بدأت تظهر مؤشرات على دخولها على خط الأزمة السورية التي استمرت عشر سنوات.
والسبت 20 مارس الجاري، استقبلت سلطنة عُمان وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، وهي أول زيارة له لبلد عربي وخليجي بعد تسلُّمه منصبه خلفاً للوزير الراحل وليد المعلم.
وأجرى المقداد في مسقط محادثات مع وزير المكتب السلطاني العماني، سلطان النعماني، الذي عبر عن “تقدير” السلطنة لـ”عمق العلاقة الأخوية مع سوريا، وعن اليقين بأنها ستتجاوز الأزمة التي مرت بها وستستعيد مكانتها ودورها في المنطقة والعالم”.
كما عقد المقداد مع نظيره العماني بدر البوسعيدي جلسة مباحثات لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، وأكد الطرفان “أهمية مواصلة التعاون والعمل المشترك لما فيه مصلحة البلدين والمنطقة”.
وسبق الزيارة إعادة السلطنة سفيرها إلى دمشق في أكتوبر الماضي، كأول دولة عربية وخليجية، بعدما كانت خفضت تمثيلها في سوريا عام 2012؛ إثر العنف الكبير الذي شنه النظام ضد شعبه، في إطار إجماع عربي على قطع العلاقات مع نظام الأسد.
أجواء الزيارة
وتأتي زيارة المقداد لمسقط بالتزامن مع حلول الذكرى العاشرة للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، وتحركات دبلوماسية قطرية تركية روسية على أمل إنهاء معاناة السوريين.
وأكدت الدول الثلاث، في بيان مشترك يوم 11 مارس الجاري، حرصها على الحفاظ على سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.
وأوضحت الدول الثلاث أن “لا حل عسكري للنزاع السوري”، كما أكدت أهمية دور اللجنة الدستورية، وجددت تأكيد احترامها لاختصاصاتها وقواعدها الإجرائية الأساسية كما وضعتها الأطراف السورية.
كما كانت دولة الإمارات قد دعت، في 10 مارس الجاري، إلى إعادة النظام السوري للجامعة العربية، وهو المقترح الذي لايزال محل خلاف كبير بين الدول العربية، حيث تعتبر قطر أن “أسباب تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة”.
ومع حلول الذكرى العاشرة للثورة السورية أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنها وثقت مقتل 277 ألف مدني في عموم البلاد خلال السنوات العشر الماضية، على يد النظام وحلفائه.
كما بلغ عدد المعتقلين والمختفين قسرياً خلال السنوات الماضية أكثر من 149 ألف شخص، معظمهم لدى نظام الأسد، في حين بلغت أعداد القتلى تحت التعذيب في عموم سوريا 14.506 أشخاص، بينهم 14.315 شخصاً على يد النظام، بالإضافة إلى عشرات الانتهاكات الأخرى.
وتسبب الأسد وحلفاؤه بتدمير شبه شامل للبنية التحتية للمدن السورية الخارجة عن سيطرة النظام، وفق الشبكة.
كما خلصت دراسة أجرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى أنّ نسبة العائلات اللاجئة السورية التي “تعيش تحت خط الفقر المدقع” بلغت 89% عام 2020، مقارنة بنسبة 55% عام 2019.
ويعاني الشعب السوري من أزمات اقتصادية متصاعدة، خصوصاً مع انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار، حيث فقدت 98% من قيمتها، ووصلت إلى 4000 ليرة مقابل كل دولار واحد في مارس 2021، فيما كانت تساوي 48 ليرة مقابل كل دولار في الفترة نفسها من عام 2011.
علاقات متواصلة
وحرصت سلطنة عُمان على إبقاء علاقاتها مع النظام السوري قائمة، حيث سبق أن زار وزير الخارجية العُماني السابق يوسف بن علوي رئيس النظام بشار الأسد في (أكتوبر 2015)، وهي أول زيارة من نوعها لمسؤول خليجي رفيع المستوى لسورية منذ اندلاع الأزمة في سوريا.
وفي العام 2015 استقبلت مسقط قادة النظام والمعارضة السورية، حيث زارها وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم، ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك، ورئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة.
وشاركت سلطنة عُمان في المشاورات التي عقدت حول الأزمة السورية في فيينا في العام 2016، والتي ضمت ممثلين عن 17 دولة ومنظمة دولية، وأنهى المشاركون في المحادثات الدولية بشأن سوريا اجتماعهم بنقاط اختلاف واتفاق كان أبرزها الاتفاق على نقاط تسع شكلت مبادئ عامة للحل السياسي في سوريا، كذلك تتواصل الجهود القطرية والخليجية والدولية لإنهاء الأزمة السورية.
وعرف عن مسقط أنها فرضت نفسها على الساحة الدبلوماسية كوسيط دبلوماسي، تتمتع بعلاقات جيدة ومحايدة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية، ما قد يرشحها اليوم لأداء دور ما في سوريا.
الكاتب والمحلل السياسي السوري أنور القاسم، قال: إن “سلطنة عُمان تقوم كعادتها بمفاجآت سياسية إقليمية، خاصة أنها حافظت على علاقاتها مع النظام السوري ولم تغلق سفارتها”.
وأضاف، في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “يبدو أن زيارة وزير الخارجية السوري لمسقط تنبئ بوجود ترتيبات قد تسمح بمشاركة محتملة لسوريا في القمة العربية القادمة، وما يدعم ذلك جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخليجية التي شملت السعودية وقطر والإمارات”.
وكانت الجهود العُمانية – حسب القاسم – في كثير من القضايا محل ترحيب خليجي لكن الموقف الخليجي من سوريا ما زال متبايناً، حيث إن قطر ترى أسباب تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في 2011 لا تزال قائمة.
وأوضح في هذا الصدد أن “وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حث النظام السوري والمعارضة على التوافق على حل سياسي، فيما الموقف الإماراتي والبحريني والكويتي يكاد يجمع على إعادة سوريا إلى الجامعة العربية”.
وقد تعول الأطراف السورية- وفق تقديرات القاسم – “على تكرار الدور الذي قامت به مسقط بشأن الوساطة بين الولايات المتحدة وكل من إيران والحوثيين في اليمن، في الأزمة السورية”.
ولا يستبعد القاسم “أن يكون من نتائج زيارة المسؤول السوري أن يكون لمسقط دور شبيه بالدور الذي مارسته خلال المحادثات بشأن الملف النووي الإيراني، لأنها على حياد تام فيما يخص الحرب في سوريا”، لكنه استطرد قائلاً: “رغم أن هذا المسعى يعتبره مراقبون صفارة انطلاق، فإن ذلك يحتاج إلى توافقات معقدة خليجياً وإقليمياً ودولياً”.