ثمَّة مثلٌ إيطاليٌّ عن قوة الإرادة في التغيير مفاده “حيث هناك رغبة هناك طريق”، وهو ما انطبق، أمس، على الحكومة التي فور أدائها اليمين الدستورية استطاعت إقرار أربعة قوانين انتظرها الشعب طويلاً، فيما كانت سابقاً تتحجج برفضها من مجلس الأمة ما أدى إلى خسارتها التأييد الشعبي، الذي استغله النواب جيداً فأظهروها بصورة سيئة للناس.
أمس، كشفت الحكومة عن قوتها في فرض ما تراه مناسباً، وتغلَّبت على أزمة كادت تزيد طين الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد بلَّة، وبالتالي فهي مطالبة بسماع صوت الناس، أو بتعبير أوضح، أن تُمارس الشَّعبوية عبر قوانين وقرارات توقف الانحدار نحو الأسوأ، فمثلاً، موافقتها على تأجيل أقساط القروض ستة أشهر، رغم أنها خطوة مهمة وكبيرة، وتُلبي حاجات الناس، لكنها مُجرَّد مُسكنات لا تعالج مرضاً.
لكي تعمل على المُعالجة الجديّة عليها أن تنظر في حلٍّ جذريٍّ للقروض، خصوصاً الاستهلاكية منها، ومديونيات الشركات والبنوك، فالأخيرة لا تحتاج إلا إلى تمديد، وأن تطمئن الحكومة البنوك أن ذلك بكفالتها، خصوصاً التسهيلات التي ليس مقابلها رهونات، ومن دون أن تتكفل الدولة بأي فلس، فهناك عشرات آلاف الأفراد والشركات الذين يُعانون من القيود المصرفية التي تفرضها عليهم البنوك، وفي حال لجأت الأخيرة إلى القضاء لتحصيل ديونها في ظلِّ الوضع الاقتصادي المعقد، لا شك أن المُتضررين، سيُعلنون إفلاسهم، ما يؤدي إلى انهيار اقتصادي لا يمكن لأي دولة تحمله، وتكون الحكومة -في تقاعسها عن معالجة هذا الملف- قد ساهمت في ذلك، كما أنَّ هذا الأمر يلزمه خطوة موازية من البنك المركزي، وهي أن يخفف من قيوده المُتشدِّدة، ويعمل بمرونة على تسهيل الأعمال في البلاد.
عدم حلِّ مسألة القروض يكاد يُدمِّر البلد، وبالتالي أياً كانت الأسباب التي أدت بالسلطة التنفيذية إلى الإقدام على هذه الخطوات الجريئة، أمس، تبقى العبرة بتصويب الممارسة؛ كي تخدم الكويتيين كافة، فهي المؤتمنة على حمايتهم، أمنياً واجتماعياً واقتصادياً، وواجبها تأدية هذه المهمة على أكمل وجه، ولا تتحجج بمجلس الأمة، فأعضاؤه يبحثون عن مصالحهم الانتخابية، وأي تنازل أو تهاون من الحكومة سيدفع الناس إليهم، ولقد رأينا كيف استغلوا ذلك في توتير الوضع ما أدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادي.
نحن اليوم لا نتحدث عن صفقات تُعقد في ليل، بل عن قناعة لا بدَّ أن تُولدها الحكومة لدى الكويتيين، وهي أن الذي يحكم صاحب السمو الأمير وولي العهد والسلطة التنفيذية، وليس حفنة نواب، أنصاف مثقفين، فإذا عادت إلى ترك الحبل على غارب النواب فستتفاقم الأزمة أكثر، وسيُحمِّلها الشعب المسؤولية.
هذا الوضع الشاذ ليس موجوداً في أي دولة ديمقراطيتها أكثر رسوخاً من الكويت، ولذا فمن الواضح أن مسعى بعض هؤلاء النواب ليس إسقاط الحكومة الحالية، إنما هو إسقاط المؤسسات كلها، بل النظام، لذلك فإنَّ تقاعس السلطة التنفيذية عن تحصين نفسها عبر قوانين شعبوية، ومنها معالجة قضية القروض، سيكون الخطوة الأولى في بناء مواجهة قوية في وجه مَنْ أثبتوا، في الأشهر الماضية، أنهم على استعداد لإحراق البلاد من أجل إشعال سيجارة، فهل تبقى “على طمام المرحوم” وتمنحهم المزيد من فرص الاستقواء عليها، فيما المراد أن تنحاز إلى جانب الشعب؟