لأن العلاقة بين السلطتين لم تبدأ من المسار السليم اختلت الموازين بينهما، ولذا بات من الواضح أنها لن تكون في قادم الأيام علاقة صحية، خصوصاً إذا شهد مجلس الأمة استقالات نواب، وانشغل بالانتخابات التكميلية، ما يعني تأجيل كل القضايا المطروحة على السلطة التشريعية إلى أن تحسم مراكز القوى المستجدة بعد تلك الانتخابات، ما يعني المزيد من الضغط على المواطنين في قضاياهم المعيشية والاقتصادية.
على طاولة المجلس سلسلة قوانين، اقتصادية ومعيشية، وبعضها ذو طابع اجتماعي، وكذلك موضوع الحريات الذي أصبح مطلباً ضرورياً للجميع كي تعود الى الكويت روحها الديمقراطية التي كانت عليها منذ تأسيسها، وليس فقط منذ بدء العمل بالدستور.
كان يمكن لهذه القضايا أن تحل اذا خلُصت النوايا، نيابياً وحكومياً، بتمرير القوانين لا جعلها أدوات ضغط متبادلة بين الطرفين اللدودين، ولكان ذلك وفر الكثير من التصعيد الذي لا طائل منه،خصوصا أنه يرتد سلباً على الوضع الداخلي.
من المعيب جدا أن تحاكم الكويت، وهي أول دولة خليجية اختارت الديمقراطية مساراً لها،المواطنين بترسانة قوانين مقيدة للحريات، فاذا سلم الفرد من قانون المطبوعات وقع تحت طائلة قانون الوحدة الوطنية، أو “المرئي والمسموع”وقانون الاتصالات، وأخيراً بدعة قانون الجرائم الإلكترونية، فيما هذا الأمر حسمته مملكة البحرين الشقيقة أخيراً من خلال رؤية قيادتها الواعية لمعطيات العصر، وسنت قانوناً موحداً لكل هذه القضايا، ألغت منه الحبس الذي يلاحق بسببه عشرات الكويتيين، ويقبع بعضهم في السجن لمجرد تغريدة، في ظل قوانين أقرتها مجالس سابقة، ونزلت في بعضها الحكومة عند رغبة نواب يسعون إلى تكميم الأفواه تمهيداً منهم لفرض وجهة نظرهم، الاجتماعية والسياسية، وحتى الاقتصادية، فيما اليوم يغسل الجميع أيديهم منها.
للأسف إن الحكومة لم تبادر حتى هذه اللحظة الى حسم أمرها، خصوصا في القوانين الاقتصادية التي تنتظرها الكويت على أحر من الجمر، ويمكن أن تكون حلاً لكثير من المشكلات، فالمواطنون لا يعرفون غيرها سلطة تنفيذ، فيما مجلس الأمة، في نظرهم سلطة تشريع لا يتحمل المسؤولية، وفيما أعضاؤه مستفيدون من ذلك يستمر الشعب بدفع الثمن باهظاً، لأن الطرفين يستثمران هذا الأمر لمصلحتيمها.
هنا تتحمل الحكومة المسؤولية الكاملة، فهي عندما عزمت على تحصين سمو رئيس مجلس الوزراء من المساءلة البرلمانية كان لها ذلك وبسهولة كبيرة، ما يؤكد أنها اذا أرادت أمراً لا أحد يردها، ولهذا فإن تحصينها للكويت أهم بكثير من تحصين مسؤول.
نعم، كلنا سمعاً وطاعة لولي الأمر، والكويت قاطبة تسعى الى استقرار دائم لأنه مفتاح النهضة التي يطلبها الجميع، غير أن الناس لن يحاسبوا النواب، إنما سيحاسبون الحكومة لأنها وحدها المسؤولة أمامهم، فهل تدرك السلطة التنفيذية أهمية حسم أمرها وتعمل بقوة على إخراج البلاد من عنق الزجاجة عبر تحصين الكويت كلها؟