أولى قواعد الحكم السليم هي تواصل الحاكم مع شعبه، وعدم الانزواء في برج عاجي، أو الاكتفاء بما يُقدِّمه له مستشارون يُصوِّرون الأمور وكأنها في أفضل أحوالها، لأنه -بحسب اعتقادهم- لا يرغب في سماع السَّلبيات؛ كي لا يُعكر مزاجه، ويمضي وقته في متابعة شؤون بعيدة جداً عن مشكلات الناس، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحلل سلطته، وشيوع الفوضى، أو حتى الانفجار الداخلي.
ولا شكَّ، أيضاً، أنَّ مقتل الدول يكمن في تولية المسؤوليات إلى غير الأمناء على مصالح الناس، فهؤلاء لا يعنيهم ما يُواجهه المجتمع من مشكلات يومية، بل يسعون إلى استغلالها لتحقيق أكبر قدر مُمكن من المنافع الشخصية لهم، غير عابئين بما يُمكن أن يؤدي إليه هذا الأسلوب من أزمات داخلية.
هذا الأمر كان واضحاً في ما وصلت إليه الممالك العربية في الأندلس، حين انفصل قادتُها عن الواقع، بينما كانوا يصرفون وقتهم في اللهو، ما أدى إلى الثورة عليهم، وهو ما سهَّل للفرنجة السيطرة على ممالكهم، والفتك بشعوبها، فيما على العكس من ذلك كانت الممالك التي عمل قادتُها على سماع صوت شعوبهم، ومتابعة مشكلاتهم وحلها، أكثر رسوخاً، وقد استمرَّت بالتطور في الحكم إلى يومنا هذا.
تأكيداً للدور السلبي الذي يؤديه من لا يريدون صلاح الحكم، وقوة الدولة، يقول نائب رئيس دولة الإمارات، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كتابه “قصتي”: “لا أحبُّ الوشاة والنمامين… يُفسدون قلبك، ويوغرون صدرك على الناس، ويُحطمون المعنويّات في المؤسسات، ويركزون فقط على السلبيات، ولا يذكرون خير الناس ولا الحسنات”، ولهذا السبب خرج الشيخ محمد بن راشد، وكذلك الشيخ محمد بن زايد، وقادة الإمارات، إلى الناس يستمعون إلى مُشكلاتهم، ويُتابعون كلَّ ما يُنشر في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولم يجلسوا في أبراج عاجية؛ لأن الحكم في قناعتهم هو من الحكمة التي يحصل عليها القادة من شعوبهم، لذلك يكون القرار صريحاً لا لبس فيه.
وضوح القرار يُوفِّر على الدولة الكثير، ويمنع التأويلات التي يُطلقها الانتهازيون المُتضررون منه، ففي المملكة العربية السعودية، مثلاً، نرى أوامر ملكية لا تقبل التفسيرات الخاطئة، ولا يستطيع، أيا كان، تحويرها أو الاحتيال عليها.
وهذا الأمر يسري كذلك على الدول الأكثر ديمقراطية في العالم، حيث يكون هَمُّ الحاكم الأول البقاء على مقربة من الناس، كما يختارُ المُستشارين الأكفاء، الذين يضعون الحقائق أمامه من دون أي تزييف؛ لأنهم يُدركون أنَّ مصلحتهم من المصلحة الوطنية وليس العكس، وأنَّ أيَّ خلل في القرار يعني ضعضعة وضع الدولة الداخلي، أو حتى الانفجار الشعبي، وكي يتفادوا ذلك يُخلصون في عملهم؛ لأنه أساس الإخلاص للوطن، ولهذا تتطورُ دولُهُم، وتزدادُ ديمقراطيَّتُها قوةً.