بمناسبة الذكرى الخامسة لإطلاق السعودية رؤية 2030، عرض ولي عهد المملكة، الأمير محمد بن سلمان، أبرز ما حققته برامج ومشروعات تلك الرؤية، متطرقاً إلى السياسات الاقتصادية والاستراتيجية التي تطبقها المملكة وصولاً إلى عام ٢٠٤٠.
وتطرق بن سلمان، خلال مقابلة شاملة بثت أمس الأول، إلى أهم الإنجازات التي حققتها السعودية في الأعوام الخمسة الماضية، مشيراً إلى أن نسبة تملك المساكن ارتفعت، في أربعة أعوام فقط، من 47 إلى 60 في المئة، مع انخفاض البطالة من 14 إلى 11 في المئة.
وقال إن الإيرادات غير النفطية، ارتفعت من 166 مليار ريال إلى 350 ملياراً، معقباً بأن استخراج السجل التجاري مثلاً كان يستغرق أياماً، مروراً بـ 6 جهات حكومية، «أما الآن فالحكومة الإلكترونية تستخرجه في نصف ساعة».
وأضاف أن الاستثمارات الأجنبية تضاعفت أكثر من 3 مرات، من 5 مليارات ريال سنوياً إلى 17 ملياراً، مبيناً أن السوق السعودي كان عالقاً منذ الأزمة الأخيرة بين 4 آلاف إلى 7 آلاف نقطة، والآن تعدى 10 آلاف «وهذا يدل على أن القطاع الخاص بدأ ينمو»، كما «اقتربنا من أن نكسر أرقام الرؤية في أوقات قبل المحددة لها بكثير».
وأكد بن سلمان أنه سيتم التركيز على عملية صنع السياسات بشكل أكبر لضمان نجاح مساعيه لتنويع الأنشطة الاقتصادية، مشيراً إلى أن المملكة أسست مكتباً لتولي مهمة وضع ميزانية الدولة، بدلاً من وزارة المالية، كما ستطلق بنهاية العام مكتباً جديداً للسياسات.
وذكر أن إيرادات صندوق الاستثمارات إلى خزينة الدولة الآن صفر، «والهدف من الاستثمارات العامة هو النمو، وأن نوفر صندوقاً ضخماً جداً حتى يكون بعد عام 2030 رافداً لإيرادات الدولة»، مضيفاً أن «تركيزنا الرئيسي على نمو حجم صندوق الاستثمارات العامة، وهذا ما تم في 4 سنوات تقريباً، حين نما 300 في المئة، وفي السنوات الخمس المقبلة سينمو 200 في المئة».
ورأى ولي العهد السعودي أن في القطاع النفطي فرصاً ضخمة جداً، وقد تُحدث تغييراً جذرياً كافياً، و«سيكون على عاتق السعودية لاحقاً، أن تزيد إنتاجها لتقدير الطلب على النفط، وهذا جزء مبشر، لكن يجب ألا نعتمد عليه»، كاشفاً أن «شركة أرامكو تطمح إلى أن تنتج السعودية عام 2030 نحو 3 ملايين برميل، صناعات تحولية مختلفة».
وعن طروحات «أرامكو»، قال: «الآن هناك نقاش عن الاستحواذ على 1 في المئة من قبل إحدى الشركات الريادية في العالم، وهذه ستكون صفقة مهمة جداً تعزز مبيعات أرامكو في الدولة أو الشركة الموجودة في دولة معينة، ولا أستطيع ذكر اسمها، هناك جزء من أصل أرامكو قد يتحول إلى صندوق الاستثمارات العامة، وجزء سيطرح طروحات سنوية في السوق السعودي».
وبخصوص نهج الدولة وسياستها في زيادة دخل المواطن، قال بن سلمان: «أولى الأولويات أن تكون لدي مالية مستقرة وقوية، فأستطيع أن أنفق إنفاقاً عالياً جداً وأستنزف مدخرات صندوق الاستثمارات العامة ومدخرات البنك المركزي وخفض معدل البطالة في يوم واحد إلى 3 في المئة، لكن هل هذا مستدام؟ (إذا حدث) هذا، فبعد 5 سنوات ستكون هناك مشكلة أكبر واستنزاف لماليتك، ولن تكون لديك قدرات ولا فرصة للنهوض، فالشيء الأول لابد من المحافظة على مالية متينة مستمرة قوية مستدامة، والشيء الثاني أن تحافظ على الاقتصاد، لينمو وينهض بأدوات بعيدة عن الحكومة».
ورداً على سؤال، أجاب: «صحيح كنا دولة غنية للغاية عندما كان عدد السكان 6 ملايين و7 ملايين، وكان عندنا 10 ملايين برميل، اليوم عندك 20 مليون نسمة، وينمو السكان بشكل كبير جداً، إذا لم نوزع أدواتنا ونحافظ على مدخراتنا ونوجهها للطريق الصحيح فسنتحول يوماً بعد يوم إلى دولة أفقر… نحافظ على هذه المدخرات ونوجهها بالشكل الصحيح حتى نتجاوز هذه العقبة بعد سنوات قليلة جداً ونصل إلى نمو، وازدهار مستمر».
من ناحية أخرى، شدد على أن «دستورنا هو القرآن وسيستمر للأبد، لكننا متى ما ألزمنا أنفسنا بمدرسة معينة أو بعالم معين فمعناه أننا ألّهنا البشر، فلا توجد مدرسة ثابتة ولا يوجد شخص ثابت… وكل فتوى حسب كل زمان ومكان وفهم»، مشدداً على أن «أي شخص يتبنى منهجاً متطرفاً، حتى لو لم يكن إرهابياً، فهو مجرم يحاسب قانونياً».
وعن العلاقات مع الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، قال: «أكثر من 90 في المئة مع إدارة الرئيس بايدن متفقون عليه في المصالح المشتركة، والأمور التي نختلف عليها 10 في المئة، ونعمل على إيجاد الحلول والتفاهمات لها، وتحييد خطرها على بلدينا وتعزيز مصالحنا».
أما عن إيران، فقال إنها «دولة جارة، وكل ما نطمح إليه أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة معها»، موضحاً أن «المملكة لا تريد أن تكون إيران في وضع صعب، بالعكس تريدها مزدهرة وتنمو، ولدينا مصالح فيها، ولديهم مصالح عندنا لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار».
وأضاف أن «إشكاليتنا تكمن في التصرفات السلبية التي تقوم بها طهران؛ سواء برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج الصواريخ البالستية»، مبيناً أن «السعودية تعمل مع الشركاء في المنطقة والعالم لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات ونتمنى أن نتجاوزها، وأن تكون العلاقة طيبة وإيجابية وفيها منفعة للجميع».
وأكد أن «المملكة لن تقبل أي ضغط أو تدخل في شأنها الداخلي»، متطرقاً إلى الشأن اليمني: «نتمنى أن يجلس الحوثي على طاولة المفاوضات مع جميع الأقطاب اليمنية للوصول إلى حلول تكفل حقوق الجميع هناك، وتضمن مصالح دول المنطقة».
وأردف: «أعتقد أن الحوثي، لا شك، لديه علاقة قوية بالنظام الإيراني، لكن الحوثي في الأخير يمنيّ، ولديه نزعته العروبية واليمنية، التي أتمنى أن تحيا فيه بشكل أكبر ويراعي مصالحه ومصالح وطنه قبل أي شيء آخر».
أشادت وزارة الخارجية الكويتية بما تضمنه لقاء ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع محمد بن سلمان من أهمية التزام الدول بالمقاصد والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة تلك المتعلقة باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، كقواعد ثابتة للعلاقات بين الدول.
وأكدت «الخارجية»، في بيان لها، أن الرؤية التي عكسها بن سلمان إزاء قضايا المنطقة، باعتماد مبدأ الحوار بين دولها، تعكس دور المملكة وحرصها على ترسيخ أواصر الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً.