وكان فوز رجل الدين المتشدد متوقعاً نظراً إلى موازين القوى التي كانت تميل لمصلحته، بينما قرر ملايين الإيرانيين العاديين عدم المشاركة في الإختبار. ومن الممكن أن يكون الرجل هو الشخصية الأكثر قمعاً التي تتولى هذا المنصب على الإطلاق.
ولا يعرف عن رئيسي أنه صديق للتقدم أو مناصر لحق الشعب الإيراني، وأبرز ما تميز به في مسيرته هو اضطلاعه بدور القاضي الشاب في لجنة أرسلت آلاف المعارضين إلى الموت بلا محاكمات عام 1988. وعلى رغم الإنكار، فإن ذلك موثق من قبل منظمات لحقوق الإنسان مثل “منظمة العفو الدولية”، كما أن رئيسي أشاد بعمليات القتل. ومذذاك، تولى منصب المدعي العام الإيراني، وأشرف على أكثر المؤسسات الدينية ثراءً وهو يترأس الآن السلطة القضائية. وعلى رغم أنه من الصعب تخيل ذلك، فإن رئاسته من المحتمل أن تنذر بتكتيكات أكثر قمعية من الدولة، ومحاسبة أقل لهؤلاء الذين يسيئون استخدام السلطة.
خيار صارخ
ومنذ ربع قرن، يُوضع الإيرانيون كل اربع سنوات أمام خيار صارخ، بين مرشحين يقترحون صلة اقتصادية وثقافية وأمنية أكبر مع العالم، وأولئك الذين يدعون إلى تشديد الضوابط الإجتماعية والثقافية ويعلقون آمالاً اقتصادية على الإنتاج المحلي. وعندما ذهب الإيرانيون بكثافة إلى صناديق الإقتراع، فإنهم فضلوا بغالبية ساحقة الخيار الأول. وعندما لم يكن لديهم هذا الخيار، فإن القوى الإنعزالية استغلت الفرصة لتوطيد سلطتها.
ويتعين على كل المرشحين الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور. وفي هذه الإنتخابات، رفض المجلس قبول ترشيحات عدد من الشخصيات السياسية المعروفة جيداً. وبينما تعتبر عملية التدقيق في سجل الناخبين غير ديموقراطية بشكل فاضح، وتسيطر عليها هيئة غير منتخبة تعمل باسم قائد أعلى غير منتخب، فإن النتيجة لا تزال مهمة. إنها مهمة للشعب الإيراني، وكذلك بالنسبة إلى احتمالات عودة النظام الإيراني والولايات المتحدة إلى إلتزام الإتفاق النووي.
المخاطر واضحة
ويحذر رضائيان من أن المخاطر واضحة، لافتاً إلى أن المرشحين السبعة الذين تمت الموافقة على طلبات ترشيحهم كانوا موالين لمبدأ واحد شاركهم فيه كل مرشح سابق وهو الإلتزام ببقاء النظام على قيد الحياة. وتنحصر الخلافات حول رؤيتهم لكيفية ضمان ديمومة النظام، سواء بانفتاح أوسع على الغرب أو بإلتزام النظام الثوري، الذي باتت أعداد متزايدة من الإيرانيين ترغب في إزالته.
وتعكس النتائج إخفاق القوى التي كانت تدفع نحو الإصلاح، بفضل مزيج من الأوهام عقب ثماني سنوات من الوعود غير المتحققة من قبل الرئيس الحالي حسن روحاني، وقرار النظام استغلال العملية الإنتخابية أكثر من المعتاد. ومن بين المرشحين الاخرين كان واحد فقط يمثل تناقضاً مع رؤية رئيسي. إنه عبد الناصر همتي الحاكم السابق للبنك المركزي، والذي عمل سفيراً لدى الصين لفترة وجيزة. وأثار الرجل سلسلة من النقاشات خلال المناظرات التلفزيونية.
وفي المناظر الأخيرة، تساءل همتي: “ماذا سيحدث إذا ما أمسك المتشددون بالسلطة؟ أقول أنه سيكون هناك مزيد من العقوبات بتوافق دولي”. وعلى رغم أنه يدعم مزيداً من الإنفتاح، فإن همتي ليس ديموقراطياً. ومع ذلك، فإنه مع انحسار عدد المرشحين، واستشعار أن رئيسي سينتخب بنسبة إقبال متدنية على نحوٍ غير مسبوق، رصت القوى المؤيدة للإنخراط صفوفها حول همتي. وأعلن الأسبوع الماضي أنه سيعرض منصباً رئيسياً على وزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف في إدارته لو فاز في الإنتخابات. لكن عشية الإنتخابات شرعت شخصيات رئيسية في إدارة روحاني إلى تبني لهجة تصالحية مع رئيسي.
نظام استبدادي
ستستمر إيران بالخضوع لنظام استبدادي يكافح من أجل استرضاء مجتمع أنهكته العقوبات، واقتصاد مفكك وجائحة مستمرة. لكن الفارق هو أن الإدارة المقبلة ستفعل القليل لمعالجة معاناة الإيرانيين- أو حتى التظاهر بأنها ستفعل. ويلوح في الأفق مزيد من الإستياء الذي من المرجح أن يفيض إلى الشوارع. ويتعين على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ان تستعد لكيفية التصرف حيال رد الفعل المحتوم. ويجب ان توضح أن تكرار تاريخ رئيسي في القمع العنيف سيواجه بعواقب قوية، سواء أكان الإتفاق النووي موجوداً أم لا.