ما إن تأتي صبيحة يوم الثاني من أغسطس من كل عام حتى يتذكر العالم أجمع ما كان من حدث جلل ترك جرحا غائرا في جسد الإنسانية عموما والعروبة خصوصا تمثل في إقدام النظام العراقي البائد بقيادة رئيسه المقبور صدام حسين على ضرب عرى الأخوة الإسلامية والعربية بغزو الأراضي الكويتية في عام 1990.
وبقدر ما يثيره هذا التاريخ من أسى فإنه يمثل بوضوح علامة بارزة على صلابة الإرادة السياسية الكويتية مدفوعة بظهير شعبي واثق متحد في المطالبة بالحق الكويتي ودفع الظلم ليضربا معا أروع الأمثلة في التعاضد من أجل دحر العدوان ونصرة الشرعية وإرجاع الدولة التي أراد النظام الغاشم ضمها إلى دولته.
خلال تلك الأزمة الوجودية انبرى أمير البلاد وقتها الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه وولي عهده رئيس مجلس الوزراء ابان تلك الفترة المغفور له الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وبرفقتهما أمير الإنسانية الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان حينها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية لحشد التأييد الدولي والعربي للقضية الكويتية واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحرير البلاد. نتيجة للحق الأبلج لدولة الكويت والسعي الدؤوب من القيادة السياسية لاستعادة الشرعية والتلاحم الشعبي المنقطع النظير الذي ظهر جليا بين الكويتيين الأوفياء التأمت أكثر من 30 دولة في تحالف عسكري دولي لتحرير دولة الكويت وتعود دولة حرة مستقلة ذات سيادة وهو ما قد كان في حرب التحرير أو ما عرف بحرب الخليج الثانية التي أنجزت المهمة خلال 40 يوما.
إبان تلك الأزمة علت موجة الرفض العربي لجريمة النظام العراقي البائد وأبدت أغلب الدول العربية موافقتها على التدخل العسكري لطرد القوات العراقية وسمع العالم أجمع الصوت المدوي للمملكة العربية السعودية ومصر وسوريا وسائر دول مجلس التعاون الخليجي لتأكيد الحق الكويتي والتنديد بهذه الجريمة النكراء.
وسعت الدول العربية تلك إلى توسيع دائرة الإدانة الدولية للغزو العراقي ورفض كل ما يترتب عليه من نتائج مع تأكيد ضرورة انسحاب القوات العراقية وإعادة الشرعية الكويتية وتوسيع نطاق المشاركة في القوة العسكرية الدولية التي كان يجري حشدها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبمشاركة فاعلة من مصر وسوريا.
ولم يكن تحرك القيادة السياسية الكويتية بمعزل عن محيطها الخليجي فقد بادر أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ الساعات الأولى من جريمة النظام العراقي البائد بالتحرك انطلاقا من الإيمان الراسخ بأن أي اعتداء على أي دولة عضو هو اعتداء على جميع دول المجلس.
ومثلت دول المجلس نواة التحرك السياسي والدبلوماسي الرافض للعدوان ونتائجه والمطالب بالانسحاب العراقي من الأراضي الكويتية بلا شروط حيث عقد وزراء خارجيتها اجتماعا طارئا بالقاهرة في 3 أغسطس 1990 على هامش اجتماعات مجلس الجامعة العربية.
ونجحت جهود دول المجلس في عقد القمة العربية الطارئة في القاهرة في 10 أغسطس 1990 وقد سبقها في السياق ذاته اجتماعان لوزراء الخارجية العرب ووزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي يومي 3 و4 من الشهر ذاته على التوالي.
كان لدول المجلس إسهامها الفاعل في استصدار سلسلة من قرارات مجلس الأمن لتأمين انسحاب قوات النظام العراقي السابق وعودة الشرعية ومنها القرار 660 الصادر في 3 أغسطس 1990 الذي أدان الغزو وطالب بانسحاب فوري وغير مشروط والقرار 678 في 29 نوفمبر 1990 الذي أجاز استخدام الوسائل اللازمة لدعم وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وإعادة الأمن والسلم الدوليين في المنطقة وصولا إلى قرارات أخرى صدرت لإزالة آثار العدوان.
لم تكتف دول المجلس بهذه الجهود بل توجت مواقفها بقرارات اتخذتها القمة الحادية عشرة لمجلس التعاون بالدوحة في ديسمبر 1990 حيث أكدت وقوف دول المجلس في وجه العدوان وتصميمها على مقاومته وإزالة آثاره ونتائجه.
واضطلعت دول المجلس بدور أساسي في عملية تحرير الكويت بتوظيف رصيدها السياسي والدبلوماسي وتسخير قدراتها العسكرية والمادية من أجل التحرير الذي تحقق في نهاية فبراير 1991 ويتم الاحتفال في ال26 منه كما عملت بعد ذلك على المطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وإزالة آثار الغزو والاحتلال. إضافة إلى إصابة عرى الأخوة الإسلامية والعربية والإنسانية في مقتل امتدت آثار تلك الجريمة لتشمل شتى نواحي الحياة بالمنطقة لاسيما الاقتصادية منها فإلى جانب الخسارة البشرية التي لا تقدر بثمن المتمثلة في شهداء الكويت الأبرار الذين استبسلوا في الدفاع عن الوطن ووقفوا أمام آلة حربية هوجاء غير عابئين بميزان القوى شمل الدمار أغلب مرافق الدولة.
على الصعيد العراقي وعقب بدء حرب التحرير خسر النظام البائد معظم قواته ولجأ إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة عبر إشعال النيران في أكثر من 700 بئر نفطية على الأراضي الكويتية وحفر الخنادق التي ملأها بالنفط والألغام فضلا عن سكب كميات مهولة من النفط في مياه الخليج ما أفرز أضرارا بيئية جسيمة تطلب الخلاص منها عقودا عدة من العمل المتواصل.
ما إن وضعت حرب الأربعين يوما أوزارها بدحر القوات الغازية وإعادة السيادة الكويتية حتى اختطت السياسة الخارجية لدولة الكويت تجاه العراق ما بين العامين 1990 و2001 نهجا راسخا حازما يستند إلى قرارات مجلس الأمن لا سيما القرار رقم 687 لسنة 1991.
ولم تتخذ دولة الكويت من الشعب العراقي عدوا حيث نظرت إليه على أنه مغلوب على أمره وأنه ضحية للنظام الحاكم وقتها الذي استيقنت من أنه لا يمكن الوثوق به فساندت الشعب الشقيق باعتباره عربيا مسلما ترتبط معه بروابط الجوار والدين والدم وأرسلت إليه المعونات بعد التحرير خصوصا للنازحين من الشمال والجنوب.
تعددت وتنوعت مظاهر مساندة دولة الكويت للشعب العراقي فقد انطلقت المساعدات الكويتية إلى شعب العراق منذ عام 1993 وبدأت جمعية الهلال الأحمر الكويتي إرسال مساعداتها إلى لاجئي العراق في إيران منذ أبريل 1995.
عقب حرب تحرير العراق في عام 2003 قدمت دولة الكويت العون إلى اللاجئين حتى أصبحت من أكبر المانحين له كما سلمت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تبرعا ماليا لتوفير غذاء ومأوى وصحة وتعليم للاجئين العراقيين وقدمت لها في عام 2010 مبلغا لإغاثة النازحين داخل العراق وتبرعت في 2014 لعملياتها الإنسانية بالعراق كما أغاثت في عام 2015 النازحين بتبرعات مالية متفاوتة القيمة.
إلى جانب تعهد دولة الكويت في يوليو 2016 بتقديم مساعدات إنسانية للعراق بقيمة 176 مليون دولار خلال مؤتمر المانحين لدعم العراق الذي عقد برعايتها ودول أخرى في واشنطن استضافت في فبراير 2019 مؤتمرا دوليا لإعادة إعمار العراق بعد إعلان الحكومة العراقية تحرير مدينة الموصل من تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية في يوليو 2017 وهو المؤتمر الذي شهد تعهدات بإسهامات قدرها 30 مليار دولار.
ورغم سنوات القطيعة الكويتية-العراقية التي سببها نظام صدام حسين استهدفت السياسة الكويتية إعادة مياه العلاقات الثنائية إلى مجاريها عبر العديد من القنوات من أجل إنهاء مرحلة التوتر وفتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين في إطار ما درجت عليه دولة الكويت من الحرص على التعاون والتعاضد بين الشعوب العربية ونبذ الفرقة.
وجاءت زيارة أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه في 29 مارس 2012 لترؤس وفد الكويت في القمة العربية التي عقدت في بغداد آنذاك كأول زيارة للقيادة الكويتية إلى العراق منذ الغزو الغاشم وأعقبها بزيارة رسمية أخرى إلى العراق في 19 يونيو 2019.
وكان عام 2010 قد شهد أول زيارة لمسؤول كويتي رفيع المستوى إلى بغداد منذ الغزو حيث زارها رئيس مجلس الوزراء السابق سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح في 22 سبتمبر 2010 وهي الزيارة التي تكررت في 12 يناير 2011 كما زارها في 12 يونيو 2013 رئيس مجلس الوزراء وقتها سمو الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح.
وأدت دولة الكويت دورا كبيرا في التعجيل باتخاذ مجلس الأمن القرار الخاص بخروج العراق من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي وفر له مكاسب كبيرة منها استعادة قوته الاقتصادية في المنطقة ووطد العلاقة الأخوية بين البلدين.
وبعد أن ضربت دولة الكويت مثالا يحتذى في التعامل الحكيم مع محنة الغزو والحرص على علاقات الأخوة في أحلك الظروف تتواصل الجهود الكويتية توازيا مع نظيرتها العراقية من أجل تعزيز العلاقات الثنائية ودعم روح التعاون والتفاهم والمضي قدما لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.