قال تقرير الشال الأسبوعي ان الحكم على ما هو مستدام وما هو غير مستدام لا يحتاج إلى تخصص علمي دقيق، حيث إن تحكيم المنطق يكفي، وفي تقريرنا الحالي سوف نعتمد المنطق في تقديرنا على ما هو غير مستدام، والمنطق أيضا قاطع في حكمه على أن تكاليف إصلاح ما هو غير مستدام، ترتفع حال التأخر في بدئها، وفرص نجاح الإصلاح تتآكل مع مرور الزمن.
والمحطة الأولى هي الاقتصاد، وثلثا الاقتصاد قطاع عام، تكلفته الأعلى في العالم وإنتاجيته الأضعف، إنتاجية المواطن منخفضة لأنه محشور ضمن حشد كبير يفوق بكثير متطلبات العمل، والسعة المكانية ضيقة، ومهما بلغ جهده، تظل حظوظ تعيينات وترقيات البراشوت هي الطاغية.
ومثل هذه التركيبة الاقتصادية، من المستحيل أن تنتج سلع وخدمات منافسة في الجودة ومستوى الأسعار، لذلك سوف تتضخم فاتورة تكاليف الإنتاج من دون قدرة السلع والخدمات المنتجة على المنافسة في السوق المحلي أو الخارجي، والأهم سوف تظل عاجزة عن خلق فرص عمل مواطنة مستدامة، بينما الاقتصاد حاليا يحتاج إلى خلق 25 ألف فرصة عمل كل عام، والأرقام تتزايد بمرور الزمن.
المحطة الثانية هي المالية العامة، هي الأخرى غير مستدامة، ومخاطر عجزها تظهر على مدى زمني أقصر، ويستخدمها سياسيون وقودا لشراء ود الناس وشراء ديمومة مناصبهم، وأقسى مخاطرها سوف تطال الغالبية الساحقة من الناس.
وفي عام 2000، كان إجمالي النفقات العامة نحو 4 مليارات دينار، حينها كان التعليم والخدمات الصحية ومستوى البنى التحتية أفضل بكثير من مستواها في الوقت الحاضر. وبلغت النفقات العامة في الموازنة الحالية 2021/2022 نحو 23 مليار دينار أو نحو 5.75 أضعاف نفقات عام 2000، وكل ما ذكر عاليه بات أسوأ. ورغم صدمات سوق النفط وجائحة كورونا والتشديد على ضرورة الإصلاح المالي، ارتفع مستوى النفقات العامة في 6 سنوات، أي منذ عام 2015، بنحو 26.4%، ولو استخدمنا نفس معدل النمو السنوي المركب للنفقات العامة في سنوات الأزمة الست الأخيرة، نجده يبلغ 4.1%. وإن استمر نفس معدل النمو السنوي المركب، وذلك مجافي لمنطق ارتفاع أرقام القادمين إلى سوق العمل ومتطلبات زيادة السكان والإسكان، سوف يبلغ حجم النفقات العامة في عام 2030 نحو 33 مليار دينار، وبحلول موعد بلوغ كويت جديدة في عام 2035، سوف يبلغ مستوى النفقات العامة نحو 38.6 مليار دينار، حينها لن تكون كويت جديدة تعني جودة أعلى.
والخللان المذكوران هما خلل إنتاجي، وخلل مالي، ولا بأس من استمرارهما لو قدمت الحكومة ما يدعم قناعتها بأنهما مستدامان، أو حتى يمكن التعايش معهما بتكاليف محتملة، ولكنها يفترض أنها تعرف أنهما غير مستدامتان، وذلك ما سطره لها كل من استشارته.
وبات معلوم لو أنها وعت بمخاطر عدم الاستدامة بعد أزمة النفط الأولى في خريف عام 2014، لكانت الآن قد قطفت ثمار قرارتها بتكاليف محتملة وبمستقبل واعد، ذلك لم يحدث، ولا يبدو من المؤشرات الحالية أن الإدارة العامة واعية أو راغبة في الحد من مخاطرهما.
تعديل التركيبة السكانية.. مجرد سراب
أشار تقرير الشال أن خلل ميزان العمالة هو الأخطر، من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، فالبطالة السافرة تهدد الاستقرار، والاستقرار هو الركن الأساس لتدفقات الاستثمار والإصلاح، والحكومة توظف نحو 80% من العمالة المواطنة، وتدعم ما عداهم، وتحتاج إلى توظيف مثلهم بحلول عام 2035.
وإذا استمرت سياساتها الحالية في زمن تستهلك فيه فاتورة الرواتب والأجور المباشرة وغير المباشرة نحو 73% من نفقات الموازنة العامة، وفي وضع لا علاقة فيه بين الأجر والإنتاجية، والواسطة هي الطاغية في التعيين والترقية، حتى بات الاقبال على القطاع العام لا تبرره حاجة العمل، وإنما تبعا لفروقات الرواتب والامتيازات وقلة متطلبات العمل وقيمه المتراخية. وفي مثال صارخ، ونحن هنا لا نتكلم عن كيفية اقناع وزير النفط لمجلس الوزراء يومها في عام 2011 بأن كوادر النفط لا تكلف المالية العامة مبالغ تذكر، فذلك كان لغزا، ولكن نتكلم عن أثره السلبي جدا على ازدحام وضعف إنتاجية القطاع الوحيد الممول للمالية العامة، وأثره على ارتفاع تكاليف انتاج برميل النفط في زمن توحي فيه كل التوقعات بأن أسعار النفط إلى هبوط. وإذن، عدم استدامة ميزان العمالة مهدد من الأعداد غير المسبوقة للقادمين إلى سوق العمل، ومهدد من ضعف سوق النفط وارتفاع تكاليف انتاجه وزيادة الاستهلاك المحلي له، ومهدد من عدم استدامة المالية العامة لفقدانها لمرونتها بتركيبة بنودها المذكورة. ولو بحثنا في أثر تكدس العمالة المكتبية في القطاع العام، ومتطلبات العمالة الحرفية للتوسع الأفقي في الإسكان، نلحظ أن أي حديث عن تعديل التركيبة السكانية هو مجرد سراب، فهناك أعمال حرفية وخدمات للمنازل تحتاج إلى استقدام أعداد ضخمة من العمالة الوافدة.
ومع تلك الأعداد الضخمة تتزايد الضغوطات على الخدمات العامة المكلفة والمدعومة، والارتفاع في أعداد السكان متغير تابع للاستمرار في الحاجة إلى عمالة حرفية مختلفة، وعليه يصبح التحكم في تركيبة السكان أمر غير ممكن، والارتفاع المتصل في استيراد العمالة الوافدة يجعل السياسة السكانية غير مستدامة أيضا.
ذلك أيضا كان خلاصة النصح المقدم من كل من دفعت لهم المالية العامة ليقدموا استشارات للحكومة، والمنطق وراء النصح هو نفس المنطق، أي ما هو غير مستدام لابد من التوقف وعلاجه، وذلك ما لم تحاول الحكومات المتعاقبة القيام به.