في إقرار من الحكومة اللبنانية بعجزها أمام «حزب الله»، وهو أحد المآخذ الخليجية على أدائها، قال وزير خارجية لبنان عبدالله بوحبيب، إن «الحكومة غير قادرة على تحجيم دور الحزب… هذه مسألة إقليمية».
وكان وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان قال، في مقابلة تلفزيونية، إن القضية مع لبنان لا تعود إلى تصريحات قرداحي، بل هي مسألة هيمنة «حزب الله» على قرار الحكومة والبلد.
يأتي ذلك في وقت ينتظر لبنان حزمة ثانية من الإجراءات الخليجية العقابية، في حين يعيش السنّة في هذا البلد حالة ضياع غير مسبوقة، يمكن وصفها بأنها «أزمة وجود» بالمعنى السياسي، زادتها الأزمة الأخيرة مع دول الخليج صعوبة وتعقيداً، فثمة غياب واضح لهم عن المعادلة، مع انعدام القدرة لديهم على التأثير، وهو ما يفتح الباب، خصوصاً في زمن الانتخابات، أمام قراءات ومواقف متناقضة ومتعددة تشمل قواهم السياسية المختلفة.
وآخر ما يجري تداوله، في هذا الشأن، هو مصير رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حيث تعمل جهات كثيرة على ضخ معلومات متضاربة حوله، فتارة أنه يستعد للعودة إلى البلد ويحضّر بقوة للانتخابات، وطوراً أنه اتخذ قراراً بعدم المشاركة في هذا الاستحقاق.
وقد فرز التصعيد الخليجي الأخير مواقف الفرقاء اللبنانيين؛ فمسيحياً، انحازت بعض القوى مثل سليمان فرنجية إلى جانب «حزب الله» وإيران، بينما اتخذ زعيم حزب «القوات» سمير جعجع موقفاً واضحاً مع السعودية، وقد كان الشخصية الوحيدة التي زارها السفير السعودي وليد البخاري قبل مغادرته لبنان. وفي المقابل، وبسبب دقة الموقف، احتفظ رئيس الجمهورية ميشال عون بموقف غير علني.
أما شيعياً، فموقف «حزب الله» معروف وواضح أيضاً، في حين أنه ليس للسنّة موقف واضح، خارج سياق البيانات التي أصبحت معروفة وبلا أثر سياسي.
ومنذ اندلاع الأزمة، حاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن يحافظ على حكومته ويتجنب الاستقالة، فلجأ إلى فرنسا والولايات المتحدة، وسعى إلى عقد لقاءات مع أمير قطر ورئيس وزراء الكويت، في محاولة منه للقول إنه يراهن على دور عربي لمساعدة لبنان على تجاوز الأزمة.
في المقابل، عمل ميقاتي على تسريب أجواء متناقضة إلى الداخل اللبناني حول استعداده للتنحي، ما لم يستقل وزير الإعلام جورج قرداحي. لكنه في الوقت نفسه أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأنه لا ينوي الاستقالة، بل يبحث عن حلّ للأزمة وحماية حكومته، فأكد ماكرون الحرص على استقرار لبنان، بينما أكد بلينكن على دعم واشنطن «استمرار جهود الحكومة في إعادة الاستقرار وتحقيق التعافي الاقتصادي والمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وصولاً إلى تنظيم الانتخابات النيابية».
وعرض ميقاتي على الوزير الأميركي، حسب بيان صادر عنه، «مقاربة الحكومة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتحضيرات الحثيثة لإطلاق الخطة الاقتصادية وبدء التواصل مع صندوق النقد الدولي»، طالباً دعم الولايات المتحدة لهذا المسار». وهذا يعني أنه تجاوز مسألة الاستقالة.
أسلوب ميقاتي في إدارة الأزمة سيؤدي إلى استفزاز السعودية أكثر، وفق ما تقول مصادر دبلوماسية، خصوصاً أنها تنظر إلى حركته وكأنها محاولة «التفاف» على المشكلة الحقيقية، وتجنب للدخول في حوار مباشر معها لحلّ الأزمة، بل هو تهرّب لن يؤدي عملياً إلى حل.
يأتي ذلك وسط ترقب من حزمة إجراءات تصعيدية جديدة قد تصدر عن السعودية في المرحلة المقبلة، سيكون لها أثر سياسي كبير على الأوضاع في لبنان، لأن الرسالة التي يقرأها فرقاء لبنانيون تشير إلى أنه لم يعد من مجال للمواقف الرمادية، فعليهم اتخاذ موقف واضح؛ إما إلى جانب السعودية أو إلى جانب محور إيران و«حزب الله».
هذه المعادلة الواضحة ستحرج الكثير من السياسيين في لبنان، وربما هي التي تنعكس على موقف سعد الحريري وتسمح بخروج مواقف كثيرة تشير إلى أنه قد يتجنّب خوض الاستحقاق الانتخابي، لعدم الدخول في مواجهة سياسية كبيرة.
لا وضوح لدى مصادر تيار المستقبل حول حقيقة هذا الكلام، وهناك تضارب في المواقف، فبعض المسؤولين في التيار يقولون إن الحريري يفكر بجدية بهذا الأمر، وقد أبلغ المقربين منه بذلك، في حين تنفي مصادر أخرى ذلك بشكل تام، وتؤكد أن الرجل يستعد للعودة إلى لبنان، خلال فترة قريبة، وسيعمل على وضع خطة سياسية واضحة تتماشى مع الخطّة الانتخابية.