الموت المتمثل بانكسار الحلم من الحياة المتخيلة إلى لحظات خروج الروح تحت الماء هو الصورة التي لا ترحل بسهولة، والألم الذي لا يزول بيسر، مثل ذلك الموت الصارخ ينبهنا إلى أننا في الخليج قادرون على المساهمة في التخفيف من حجم تلك الكارثة الإنسانية.
كلما قرأت اسم أحد المتوفين الذين اختاروا ثرى الكويت ليكون مسكنهم النهائي ترتسم في مخيلتي أيامهم الأولى في أوطانهم الأصلية، وكيف انتهت بهم الأقدار للاستقرار في مكانهم بعيدا وربما بعيدا جداً، من هؤلاء من ارتبط بالكويت عبر الزواج من أحد أبنائها أو بناتها أو عمل فيها وأسس فيها حياة كاملة لا يمكن نقلها، ومنهم من ولد في الكويت وارتبط فيها بروحه وعقله، وقرر العيش فيها حتى النهاية، وأخيراً وليس آخراً هناك من دفن بالكويت مضطرا بسبب حرب اشتعلت في وطنه أو ظروف أمنية صعبة تمنع وصول جثمانه إلى مسقط رأسه.
تلك الصور المتخيلة رغم ما تثيره من شجن لحظي هي في محصلتها النهائية قرار اختياري لصاحبه، والحزن فيه محصور على العزيز الذي فقد أو الوطن الذي لم يعد متاحا لفترة من الزمن، ولكن ماذا عن الذين يداهمهم الموت وهم في عز أحلامهم لبناء حياة جديدة في وطن جديد قد يكون هو وطنهم النهائي لو كتبت لهم الحياة؟ إنها مأساة عظيمة تدمي القلوب وتتأجج إذا كان الأطفال ضمن ذلك المشهد الحزين.
تقول منظمة الهجرة الدولية عقب حوادث الغرق المتلاحقة في البحر الأبيض المتوسط إن عدد ضحايا الهجرة غير الشرعية تضاعف 30 مرة خلال عام 2015 الحالي، الأمر الذي جعل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقول “يبدو أننا إزاء أسوأ مجزرة في تاريخ البحر المتوسط”. هنا تختلف الأسئلة وتتعدد أوجه الأحزان، كيف انتهى ببنغلاديشي لتلقي العلاج في أحد مستشفيات جزيرة صقلية الإيطالية بعد أن شارف على الغرق أمام سواحل جزيرة جمهورية مالطا؟ كم من المال جمع كي يغادر وطنه في وسط آسيا؟ وكم دفع لتجار وسماسرة الهجرة غير الشرعية؟ ذلك البنغلاديشي لم يفقد حياته وفي أسوأ الأحوال سيرحل إلى وطنه، السؤال ماذا عن مئات المهاجرين الذين تحولوا إلى وجبات دسمة لأسماك البحر المتوسط؟ ومن المسؤول عنهم؟ وكيف يمكن منع تكرار حدوث مثل تلك المآسي في المستقبل خصوصا مع تردد أنباء عن وجود مليون مهاجر على الشواطئ الليبية مستعدين لخوض تجربة الموت في سبيل تحقيق حلم الثروة والعيش الرغيد.
أوروبا تشعر اليوم بالخجل مما يحصل في بحيرتها المشتركة مع الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين، وهي تعلم أن أقصى ما يمكنها فعله هو زيادة قدراتها على المراقبة والانتشال والعلاج، وتعزيز التعاون الأمني لمكافحة تجار البشر مع دول حوض البحر المتوسط، أما مصدر المشكلة وهو الدول الغارقة في الفوضى والفقر والحروب العبثية فأمرها يحتاج إلى علاجات طويلة الأمد، لا يبدو في الأفق أن أوروبا الغارقة في مشاكلها الاقتصادية قادرة على توفيرها في الوقت الحالي.
مثل ذلك الموت المتمثل بانكسار الحلم من الحياة المتخيلة إلى لحظات خروج الروح تحت الماء هو الصورة التي لا ترحل بسهولة، والألم الذي لا يزول بيسر، مثل ذلك الموت الصارخ ينبهنا إلى أننا في الخليج قادرون على المساهمة في التخفيف